عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: في النجوم
  
              

          ░3▒ (ص) باب فِي النُّجُومِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما جاء في النجوم.
          (ص) وقالَ قَتادَةُ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ}[الملك:5]: خلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاثٍ: جَعَلَها زِينَةً لِلسَّماءِ، ورُجُومًا لِلْشَّياطِينَ، وعَلاماتٍ يُهْتَدَى بِها، فَمَنْ تأَوَّل فِيها بِغَيْرِ ذلِكَ؛ أَخْطَأَ وَأَضاعَ نَصِيبَهُ، وَتكَلَّفَ بِما لا علْمَ لَهُ بِهِ.
          (ش) هذا التعليق وصله عبد بن حميد في «تفسيره» عن يونس، عن سفيان، عنه، وزاد في آخره: وأنَّ ناسًا جهلةً بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانةً: مَن غَرس بنجم كذا؛ كان كذا، ومَن سافر بنجم كذا؛ كان كذا، ولعمري ما مِن النجوم نجمٌ إلَّا ويُولَد به الطويلُ والقصير، والأحمرُ والأبيض، والحسنُ والدميم، وقال الداوديُّ: قولُ قتادة في النجوم حسنٌ إلَّا قوله: أخطأ وأضاع نصيبه، فَإِنَّهُ قصَّر في ذلك، بل قائلُ ذلك كافرٌ، انتهى.
          ورُدَّ عليه بأنَّه لم يتعيَّن الكفرُ في ذلك إلَّا في حقِّ مَن نسب الاختراع إلى النجوم، وفي «ذمِّ النجوم» للخطيب البغداديِّ مِن حديث إسماعيلَ بن عَيَّاش عن البُخْتُريِّ بن عُبيد، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ، عن عمر مرفوعًا: «لا تسألوا عن النجوم»، ومِن حديث عبيد الله بن موسى، عن الربيع بن حبيب، عن نَوفَل بن عبد الملك، عن أبيه، عن عليٍّ ☺ : (نهاني رسول الله صلعم عن النظر في النجوم)، وعن أبي هُرَيْرَة وابن مسعود وعائشة وابن عَبَّاس نحوه، وعن الحسن: أنَّ قيصرَ سأل قسَّ بنَ ساعدة الأياديَّ: هل نظرت في النجوم؟ قال: نعم؛ نظرتُ فيما يُراد به الهداية، ولم أنظرْ فيما يُراد به الكَهانةُ، وفي كتاب «الأنواء» لأبي حنيفة: المنكَرُ في الذمِّ مِنَ النجوم نسبةُ الأمر إلى الكواكب وأنَّها هي المؤثِّرة، وأَمَّا مَن نسب التأثير إلى خالقها، وزعم أنَّهُ نصبها أعلامًا، وصيَّرها آثارًا لِما يحدِثُه؛ فلا جُناحَ عليه.
          (ص) وقال ابنُ عَبَّاسٍ: {هَشِيمًا}: مُتَغَيِّرًا.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ}[الكهف:45]، وفسَّر ابن عَبَّاس ({هَشِيمًا}) بقوله: (متغيِّرًا)، ذكره إسماعيلُ بنُ أبي زياد في «تفسيره» عن ابن عَبَّاس.
          وقد جرت عادة البُخاريُّ أنَّهُ إذا ذكر آية أو حديثًا في الترجمة ونحوها؛ يذكر أيضًا بالتبعيَّة على سبيل الاستطراد ما له أدنى ملابسة بها؛ تكثيرًا للفائدة. /
          (ص) والأبُّ: ما يأكُلُ الأنْعامُ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {وَحَدائِقَ غُلْبًا. وَفاكِهَةً وَأَبًّا}[عبس:30-31]، وهذا أيضًا تفسير ابن عَبَّاس أيضًا، ووصله ابن أبي حاتم مِن طريق عاصم بن كليب، عن أبيه، عنه قال: (الأَبُّ) ما أنبت الأرضُ مِمَّا تأكله الدوابُّ ولا يأكله الناس، ومِن طريق عطاء والضحَّاك: (الأَبُّ) كلُّ شيء ينبت على وجه الأرض، زاد الضحاك: (إلَّا الفاكهةَ).
          (ص) والأَنامُ: الخَلْقُ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {والأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ}[الرَّحْمَن:10]، وفسَّر (الأَنامَ) بقوله: (الخلق)، وهو تفسير ابن عَبَّاس أيضًا، رواه ابن أبي حاتم مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه في الآية المذكورة، والمراد بـ(الخلق) : المخلوق، وروى مِن طريق سِماك عن عِكْرِمَة عنه قال: الأنام: الناس، ومِن طريق الحسن قال: الجنُّ والإنس، وعن الشعبيِّ: هو كلُّ ذي روحٍ.
          (ص) {برْزَخٌ} حاجِبٌ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ}[الرَّحْمَن:20]، فسَّره بقوله: (حاجِبٌ) يعني: حاجب بين البحرين لا يختلطان، وهذا أيضًا تفسير ابن عَبَّاس.
          و(حاجِبٌ) بالباء المُوَحَّدة في قول الأكثرين، وفي رواية المُسْتَمْلِي والكُشْميهَنيِّ: <حاجز> بالزاي موضع الباء، مِن حجز بين الشيئين؛ إذا حال بينهما.
          (ص) قال مُجاهِدٌ: {ألْفافًا} مُلْتَفَّةً، والغُلْبُ: المُلْتَفَّةُ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَجَنَّاتٍ أَلْفافًا}[النبأ:16] أي: مُلتفَّة، وصله عنه عبد بن حميد مِن طريق ابن أبي نَجِيح.
          ومعنى (ملتفَّة) أي: ملتفَّة بعضُها على بعض، و(ألفاف) جمع (لفٍّ)، وقيل: جمع (لفيف)، وحكى الكسائي أنَّهُ جمع الجمع، وقال الطَّبَريُّ: اختلف أهل اللغة في واحد (الألفاف) فقال بعض نحاة البصرة: لفٌّ، وقال بعض نُحاة الكوفة: لفٌّ ولفيف، قال الطَّبَريُّ: إن كان «الألفاف» جمعًا؛ فواحدُه جمعٌ أيضًا؛ تقول: جنَّةٌ لفٌّ، وجنَّات لفٌّ.
          قوله: (والغُلْبُ: المُلْتَفَّةُ) إشارةٌ إلى ما في قوله تعالى: {وَحَدائِقَ غُلْبًا}[عبس:30]، وفسَّر (الغُلْبَ) بقوله: الملتفَّة، وروى ابن أبي حاتم مِن طريق عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عَبَّاس: الحدائق: ما التفَّت، والغُلب: ما غلظ، وروى مِن طريق عِكْرِمَة عنه: الغلب: شجر بالجبل لا يَحمِل، يُستَظلُّ به.
          (ص) {فِراشًا}[البقرة:22] مِهادًا كقوله: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}[البقرة:36].
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِراشًا}[البقرة:22]، وفسَّره بقوله: مهادًا، وبه فسَّر قتادة والربيع بن أنس، وصله الطَّبَريُّ عنهما.
          قوله: (كقوله: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}) [البقرة:36]) أي: كما في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}[البقرة:36] أي: موضع قرار، وهو بمعنى المِهاد.
          (ص) {نَكِدًا} قلِيلًا.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {والَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا}[الأعراف:58]، وفسَّر (النَّكِد) بقوله: (قَلِيلًا)، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السُّدِّيِّ، قال: {لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} قال: النَّكِد: الشيء القليل الذي لا ينفع، وأخرج ابن أبي حاتم أيضًا مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاس قال: هذا مثلٌ ضُرِب للكافر؛ كالبلد السَّبخة المالحة التي لا يخرجُ منها البركة.