عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم
  
              

          ░10▒ (ص) بابٌ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجِوَارُهُمْ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه ذمَّة المسلمين وجوارهم واحدةٌ، فقوله: (ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ) مرفوعٌ بالابتداء، (وَجِوَارُهُمْ) عطف عليه، وخبره قوله: (وَاحِدَةٌ) ومعناه: أنَّ مَن انعقدت عليه ذمَّة مِن طائفة مِنَ المسلمين فَإِنَّهُا واحدةٌ في الحكم لا تختلف باختلاف العاقدين، وحاصل المعنى: أنَّ كلَّ مَن عقد ذمَّة _يعني: أمانًا_لأحدٍ مِن أهل الحرب؛ جاز أمانه على جميع المسلمين دَنِيًّا كان أو شريفًا، عبدًا كان أو حرًا، رجلًا كان أو امرأة، وليس لهم بعد ذلك أن يُخْفِرُوه، واتَّفق مالكٌ والثَّوْريُّ والأوزاعيُّ واللَّيث والشَّافِعِيُّ وأبو ثورٍ على جواز أمان العبد قاتل أو لم يقاتل، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يجوز أمانه إلَّا أن يقاتل، وأجاز مالكٌ أمان الصبيِّ إذا عقل الإسلام، ومنع ذلك أبو حنيفة والشَّافِعِيُّ وجمهور الفقهاء، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أنَّ أمان الصبيِّ غير جائز، والمجنون كذلك لا يصحُّ أمانه بلا خلافٍ كالكافر، وقال الأوزاعيُّ: إن غزا الذِّمِّيُّ مع المسلمين فآمن أحدًا فإن شاء الإمام أمضاه وإلَّا فليردَّه إلى مأمنه.
          قوله: (وَجِوَارُهُم) أي: جوار المسلمين، وقد مرَّ تفسيره عَن قريبٍ، وليس في بعض النُّسَخ لفظ (جُِوَارُهُم).
          قوله: (يَسْعَى بِهَا) أي: بذمَّة المسلمين؛ أي: بأمانهم (أَدْنَاهُمْ) أي: أقلَّهم عددًا، فيدخل فيه الواحد وتدخل فيه المرأة أيضًا، ولا يدخل فيه العبدُ عند أبي حنيفة؛ لأنَّه ليس مِن أهل الجهاد، فإذا قاتل يكون منهم، ولفظ (ذِمَّة المسلمين واحدة يَسْعَى بها أدناهم) رواه أحمد في «مسنده» وقال التِّرْمِذيُّ: ورُوِيَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ وعبد الله بن عَمْرو عَنِ النَّبِيِّ صلعم مثل رواية أحمد، ثُمَّ قال: معنى هذا عند أهل العلم أنَّ مَن أعطى الأمان مِنَ المسلمين فهو جائز على كلِّهم، وروى ابن ماجه مِن حديث ابن عَبَّاسٍ عن النَّبِيِّ صلعم : «المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على مَن سواهم، يسعى بذمَّتهم أدناهم...» الحديث.