الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح

          ░6▒ (بَاب الشُّرُوطِ فِي الْمَهْرِ) أي: مهرِ الزَّوجة (عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ) بضم عينِ ((عُقْدة)) وسكون القاف آخره تاء تأنيث؛ أي: وقتَ عَقْدِ النِّكاح.
          (وَقَالَ عُمَرُ) أي: ابنُ الخطَّابِ مما وصله ابنُ أبي شَيبةَ وسعيدُ بنُ منصورٍ عنه (إِنَّ مَقَاطِعَ) بفتح الميم والقاف وكسر الطاء المهملة من غير تحتية بعدها، جمعُ: مَقطَعٍ، وهو في الأصل: مَوضِعُ القَطْع، والمرادُ: مَحالَّ قَطعِ (الْحُقُوقِ) وانتهائها (عِنْدَ الشُّرُوطِ) أي: المشروعة، والظرفُ: خبرُ ((إنَّ)).
          (وَلَكَ مَا شَرَطْتَ) أي: حيثُ كان جائزاً، وهذه الجملةُ من كلام عمرَ أيضاً، والكافُ والتاءُ مفتوحتان كما رأيناه في أصولٍ صحيحةٍ، لكنْ مُقتَضى ما في العَينيِّ كَسرُهما، فإنه قال: ذكرَه ابنُ أبي شَيبةَ بسنَدِه عن عمر قال: ((لها شَرطُها، قال رجلٌ: إذاً يطلِّقْنَنا، فقال عمرُ: إنَّ مَقاطِعَ...)) إلخ، فتدبَّر.
          (وَقَالَ الْمِسْوَرُ) بكسر الميم؛ أي: ابنُ مَخرَمةَ، مما وصلَه المصنِّفُ فيما مرَّ في باب: مَنْ أَمرَ بإنجاز الوعد (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم ذَكَرَ صِهْراً) بكسر الصاد المهملة، والجمع: أصهار وصُهَراءٌ، قال البرماويُّ كالكرمانيِّ: وهو لغةً: قريبُ المرأةِ، ومن العربِ مَنْ يجعَلُ الصِّهرَ من الأحماءِ والأَختان جميعاً، انتهى.
          ومثلُه في ((المصباح))، وقال في ((القاموس)): الصِّهرُ _بالكسر_: القَرابةُ والقَبرُ، وزَوجُ بنتِ الرجلِ، وزوجُ أختِه، انتهى.
          والمرادُ به هنا: أبو العاصِ بنُ الرَّبيعِ، زوجُ زينبَ / بنتِ رسولِ الله صلعم، أُسرَ يومَ بدرٍ، فمُنَّ عليه بلا مالٍ؛ إكراماً لرسولِ الله صلعم، وكان قد أبى أن يطلِّقَ زينبَ لمَّا أرادَ المشركونَ منه ذلك، فشكَرَ له رسولُ الله صلعم مُصاهرَتَه، ورَدَّ زينبَ إلى رسولِ الله صلعم لمَّا طلبَها منه بعدَ بدرٍ، وأسلَمَ قبل الفتح، وأبقاها النبيُّ صلعم معه بالنِّكاحِ الأول.
          (فَأَثْنَى) أي: رسولُ الله صلعم (عَلَيْهِ) أي: على صِهرِه المذكور (فِي مُصَاهَرَتِهِ) بضم الميم، مصدرُ: صاهَرَ غيرَه (فَأَحْسَنَ) أي: النبيُّ صلعم في ثنائه، وبيَّنَ ذلك بقوله:
          (قَالَ) أي: النبيُّ (حَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي) بتخفيف الدال المهملة، وبالواو في ((اليونينية))، وفي فَرعِها: <فصَدَقَني> بالفاء (وَوَعَدَنِي) أي: بردِّ زينبَ (فَوَفَى) بتخفيف الفاء (لِي) أي: في وَعدِه حيثُ ردَّها، كما مرَّ.
          وليُنظَرْ وجهُ المطابقة؛ فإنه وإنْ وَفَى بما وعدَ النبيَّ صلعم مِن ردِّ زينَبَ، لكنه ليسَ شَرْطاً في المَهرِ عند عُقدةِ النِّكاح، فتدبَّر.