نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث عطاء بن يسار: أنه سأل زيد بن ثابت فزعم

          1072- (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ) بفتح الراء، الزَّهراني البصري، وقد تقدَّم في باب «علامات المنافق» [خ¦33] (قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) أبو إبراهيم الأنصاريُّ المدني (قَالَ أَخْبَرَنَا) وفي رواية: <حَدَّثنا>.
          (يَزِيدُ ابْنُ خُصَيْفَةَ) هو يزيد بن عبد الله بن خُصيفة، ويزيد من الزيادة، وخُصَيْفة _بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء_، وقد مرَّ في باب «رفع الصَّوت في المسجد» [خ¦470] (عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ) بضم القاف وفتح السين المهملة وسكون الياء وبالطاء المهملة، هو يزيد بن عبد الله بن قسيط اللَّيثي المدني، مات سنة اثنتين وعشرين ومئة.
          (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) وقد تقدَّم غير مرَّة (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ) أي: أنَّ عطاء أخبر ابن قُسيط (أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) الأنصاري (☺) عن السُّجود في آخر النَّجم (فَزَعَمَ) أي: فأخبر / (أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صلعم وَالنَّجْمِ) أي: سورتها.
          (فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا) أي: لم يسجد النَّبي صلعم في سجدة النَّجم، احتجَّ به مالك في المشهور عنه والشَّافعي في القديم وأبو ثور على أنَّه لا يسجد للتِّلاوة في آخر النَّجم، وهو قول عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعكرمة وطاوس، ويُحكى ذلك عن ابن عبَّاس وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت ♥ .
          وأجاب الطَّحاوي عن ذلك وقال: ليس في الحديث دليل على أن لا سجود فيها؛ لأنَّه قد يحتمل أن يكون تَرْكُ النَّبي صلعم السُّجود حينئذٍ؛ لأنَّه كان على غير وضوء فلم يسجد لذلك.
          ويحتمل أن يكون تركه لأنَّه كان في وقت لا يَحلُّ فيه السُّجود، ويحتمل أن يكون تركه لأنَّ الحكم عنده بالخيار إن شاء سجد وإن شاء ترك، ويحتمل أن يكون تركه؛ لأنَّه لا سجود فيها، فلمَّا احتمل هذه الاحتمالات يحتاج إلى شيء آخر من الأحاديث يلتمس منه حكم هذه السُّورة هل فيها سجود أو لا؟ فوجدنا حديث عبد الله بن مسعود ☺ الذي فيه تحقيق السُّجود فيها قال: والأخذ به أولى.
          وأجيب أيضاً: بأنَّه صلعم لم يسجد على الفور، ولا يلزم منه أن لا يكون فيها سجدة ولا نفي الوجوب. وقد روى البزَّار والدَّارقطني بإسناد رجاله ثقات عن أبي هريرة ☺: أنَّ النَّبي صلعم سجد في سورة النَّجم وسجدنا معه.
          وعند ابن مردويه في «التَّفسير» عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن: أنَّه رأى أبا هريرة ☺ يسجد في خاتمة النَّجم فسأله فقال: إنَّه رأى النَّبي صلعم يسجد فيها.
          واستدلَّ به بعضهم أيضاً على أنَّ المستمع لا يسجد إلَّا إذا سجد القارئ لآية السَّجدة، وبه قال أحمد، وإليه ذهب القفَّال، وقال الشَّيخ أبو حامد (1) والبغداديون: يسجد المستمع وإن لم يسجد القارئ، وبه قالت المالكيَّة، وعند أصحابنا يجب على القارئ والسَّامع جميعاً، ولا يسقط عن أحدهما بترك الآخر.
          واستدلَّ به البيهقي وغيره أيضاً على أنَّ السَّامع لا يسجد ما لم يكن مستمعاً قال: وهو أصحُّ الوجهين، واختاره إمام الحرمين وهو قول المالكيَّة والحنابلة.
          وقال الشَّافعي في «مختصر البويطي»: لا أؤكِّده عليه كما أؤكِّده على المستمع وإن سجد فحسن، ومذهب أبي حنيفة ☼ وجوبه على السَّامع والمستمع والقارئ.
          وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن ابن عمر ☻ أنَّه قال: السَّجدة على من سمعها، ومن تعليقات البخاري قال عثمان ☺: إنَّما السُّجود على من استمع [خ¦1077]، والله أعلم.
          ورجال إسناد حديث الباب / مدنيُّون إلَّا شيخ المؤلِّف، وقد أخرج متنه مسلم في «الصَّلاة»، وكذا أبو داود والتِّرمذي وقال: حسن صحيح، والنَّسائي.


[1] من قوله: ((لآية السجدة... إلى قوله: أبو حامد)): ليس في (خ).