جنى الجنتين ومجمع البحرين في تجريد متون الصحيحين

حديث: لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار شعباً لأخذت شعب الأنصار

          1180- الإمامان: عن أنس قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم، ومع النبي صلعم يومئذٍ عشرة آلاف ومعه الطلقاء(1)، فأدبروا عنه حتى بقي وحده، فنادى يومئذٍ نداءين لم يخلط بينهما شيئاً، قال: التفت عن يمينه فقال: ((يا معشر الأنصار)) قالوا: لبيك يا رسول الله، نحن معك، أبشر، قال: ثم التفت عن يساره فقال: ((يا معشر الأنصار)) قالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك، قال: وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: ((أنا عبد الله ورسوله)) فانهزم المشركون، وأصاب رسول الله صلعم غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء، ولم يعط الأنصار شيئاً، فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا، فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة فقال: ((يا معشر الأنصار، ما حديثٌ بلغني عنكم؟)) فسكتوا، فقال: ((يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله رضينا فقال: ((لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار شعباً لأخذت شعب الأنصار)) قال هشام: هو ابن زيد: فقلت: يا أبا حمزة، أنت شاهدٌ ذاك؟ قال: وأين أغيب عنه!.[خ¦4337]
          وفي رواية: أن ناساً من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق رسول الله صلعم يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، قال أنس: فحدث ذلك رسول الله صلعم من قولهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم، ولم يدع معهم غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلعم فقال: ((ما حديثٌ بلغني عنكم؟)) فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً، وأما أناسٌ منا حديثةٌ أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلعم: ((فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفرٍ أتألفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال / وترجعوا إلى رحالكم برسول الله؟ فوالله لما تنقلبون به خيرٌ مما ينقلبون به)) قالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا، قال: ((فإنكم ستجدون بعدي أثرة(2) شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض)) قالوا: سنصبر.
          وفي رواية: قال أنس: فلم نصبر.
          وفي أخرى: قال: جمع رسول الله صلعم الأنصار فقال: ((أفيكم أحدٌ من غيركم؟)) قالوا: لا، إلا ابن أختٍ لنا، فقال رسول الله صلعم: ((ابن أخت القوم منهم)) فقال: ((إن قريشاً حديث عهدٍ بجاهلية، ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم(3)، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟)) قالوا: بلى، قال: ((لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار)).
          وفي أخرى: قال: لما فتحت مكة قسم الغنائم في قريش، فقالت الأنصار: إن هذا لهو العجب، إن سيوفنا تقطر من دمائهم، وإن غنائمنا ترد عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلعم، فجمعهم، فقال: ((ما الذي بلغني عنكم؟)) قالوا: هو الذي بلغك، وكانوا لا يكذبون، فقال: ((أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟)) قالوا: بلى، فقال: ((لو سلك الناس وادياً _أو شعباً_ وسلكت الأنصار وادياً _أو شعبًا_ لسلكت وادي الأنصار _وشعب الأنصار_)).
          ولمسلم: قال: افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنيناً، قال: فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير وقد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن، الوليد، قال: فجعلت الخيل تلوي خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا، وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس، قال: فنادى رسول الله صلعم: ((يا للمهاجرين، يا للمهاجرين)) ثم قال: ((يا للأنصار، يا للأنصار)) قال أنس: هذا حديث عمية قال: قلنا لبيك يا رسول الله، قال: فتقدم رسول الله صلعم، قال: وأيم الله، ما أتيناهم حتى هزمهم الله، قال: فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف، فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا، قال: فجعل رسول الله صلعم يعطي الرجل المائة... ثم ذكر باقي الحديث كنحو الروايات التي قبله.


[1] في هامش الأصل: ((الطلقاء: جمع طليق وهو: الذي خُلي وأطلق سبيله وهم أهل مكة الذين أسلموا بعد الفتح؛ لأنه عليه السلام قال يومئذ لأهل مكة: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) )).
[2] في هامش الأصل: ((الأثرة بفتح الهمزة والثاء والراء: الاستئثار بالشيء والانفراد به، والمراد يعطى غيركم أكثر منكم ويفضل غيركم عليكم)).
[3] في هامش الأصل: ((التألف: المداراة والإيناس ليدوموا على الإسلام رغبة فيما يكل إليهم من المال .
جبرت الوهن والكسر: إذا أصلحته وجبرت المصيبة إذا فعلت مع صاحبها ماينساها به وتسليه عنها)).