جنى الجنتين ومجمع البحرين في تجريد متون الصحيحين

حديث: خرجنا مع رسول الله إلى خيبر، فسرنا ليلاً

          1159- الإمامان: عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله صلعم إلى خيبر، فسرنا ليلاً، فقال رجلٌ من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنياتك، وكان عامر رجلاً شاعراً، فنزل يحدو بالقوم، يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا                     ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداءٌ لك ما اقتفينا                     وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا                     إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
          فقال رسول الله صلعم: ((من هذا السائق؟)) فقالوا: عامر بن الأكوع، قال: ((يرحمه الله))، قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به، قال: فأتينا خيبر فحاصرناهم، حتى أصابتنا مخمصة شديدة، ثم إن الله فتحها عليهم، فلما أمسى الناس اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيراناً كثيرة، فقال رسول الله صلعم: ((ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون؟)) قالوا على لحم، قال: ((أي لحم؟)) قالوا: لحم الحمر الإنسية، قال النبي صلعم: ((أهريقوها واكسروها)) فقال رجل: يا رسول الله، أَوَ نهريقها ونغسلها؟ فقال: ((أو ذاك)) فلما تصاف القوم كان سيف عامرٍ فيه قصر، فتناول به يهودياً ليضربه، ويرجع ذباب سيفه، فأصاب ركبته فمات منها، فلما قفلوا قال سلمة: رآني رسول الله صلعم شاحباً ساكتاً قال: ((سلمة)) / وهو آخذ بيدي: فقلت: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامراً حبط عمله، قال: ((من قاله؟)) قلت: قاله فلان وفلان وأسيد بن حضير، فقال رسول الله صلعم: ((كذب من قاله، إن له لأجرين _وجمع بين أصبعيه_ إنه لجاهدٌ مجاهد(1)، قل عربي مشى بها مثله)).
          وفي رواية: ((نشأ بها)) ولم يقل مسلم: ((نشأ بها)).
          ولمسلم: قال سلمة: لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالاً شديداً مع رسول الله صلعم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله صلعم في ذلك، وشكّوا فيه: رجلٌ مات في سلاحه، قال سلمة: فقفل رسول الله صلعم من خيبر فقلت: يا رسول الله، ائذن لي أن أرجز بك، فأذن له رسول الله صلعم، فقال عمر: اعلم ما تقول فقلت:
والله لولا الله ما اهتدينا                     ولا تصدقنا ولا صلينا
          فقال رسول الله صلعم: ((صدقت)).
فأنزلن سكينة علينا                     وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا.
          فلما قضيت رجزي، قال رسول الله صلعم: ((من قال هذا؟)) قلت: قاله أخي، فقال رسول الله صلعم: ((يرحمه الله)) قال: فقلت: يا رسول الله، والله إن ناساً ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال رسول الله صلعم: ((كذبوا، مات جاهداً مجاهدًا)) قال ابن شهاب: ثم سألت ابناً لسلمة بن الأكوع، فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال حين قلت: إن ناساً يهابون الصلاة عليه، فقال رسول الله صلعم: ((كذبوا، مات جاهداً مجاهدًا، فله أجره مرتين)). [خ¦4196]


[1] في هامش الأصل: ((هنيهاتك: يعني الأشياء التي تظهر منه مما يستغرب ويستظرف ويستحسن ويشتهي ونحو ذلك .
وقوله: ((وجبت)) أي: وجبت الرحمة والمغفرة التي ترحم بها عليه يعني أنه باستغفاره له وجبت له المغفرة وأنه يقبل شهيداً .
المخمصة: المجاعة .
ذباب السيف: طرفه الذي يضرب به .
قفل المسافر: إذا رجع من سفره .
الشاحب: الجسم المتغير يشحُب يشحَب .
حبط عمله أي: بطل وضاع أجره .
الجاهد: المبالغ في الأمر الذي ينتهي إلى آخر ما يجد، والمجاهد: الغازي في سبيل الله)).