جنى الجنتين ومجمع البحرين في تجريد متون الصحيحين

حديث: لا تبرحوا فإن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا

          1103- البخاري: عن البراء بن عازب قال: لقينا المشركين يومئذٍ، وأجلس النبي صلعم جيشاً من الرماة، وأمر عليهم عبد الله وقال: ((لا تبرحوا، فإن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا)) فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتددن / في الجبل، رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة، فقال عبد الله: عهد إلي النبي صلعم ألا تبرحوا، فأبوا، فلما أبوا صرف الله وجوههم، فأصيب سبعون قتيلاً، وأشرف أبو سفيان فقال أفي القوم محمدٌ؟ فقال: ((لا تجيبوه)) قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال: ((لا تجيبوه)) قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياءً لأجابوا، فلما(1)يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله لك ما يخزيك، قال أبو سفيان: أعل هبل، فقال النبي صلعم: ((أجيبوه)) قالوا: ما نقول؟ قال: ((قولوا: الله أعلى وأجل)) قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلعم: ((أجيبوه)) قالوا: ما نقول؟ قال: ((قولوا الله مولانا ولا مولى لكم)) قال أبو سفيان: يومٌ بيوم بدرٍ، والحرب سجالٌ، وتجدون مثلةً لم آمر ولم تسؤني.
          وفي رواية: قال: جعل رسول الله صلعم على الرجالة يوم أحد _وكانوا خمسين رجلاً وهم الرماة_ عبد الله بن جبير، فقال: ((إن رأيتمونا تخطفنا الطير(2) فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم)) فهزمهم الله_فأنا والله_ رأيت النساء يشتددن وقد بدت خلاخيلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلعم؟ قالوا: والله ليأتين الناس فليصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذلك قوله: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران:153] فلم يبق مع النبي صلعم غير اثني عشر رجلاً، فأصابوا منا سبعين، وكان النبي قد أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيراً، وسبعين قتيلاً، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي ◙ أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات، ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، فما ملك عمر نفسه، فقال: كذبت والله يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك، قال: يومٌ بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها، ولم تسؤني، ثم أخذ يرتجز: أعل هبل، أعل هبل، فقال النبي صلعم: ((ألا تجيبوه؟))... وذكره إلى قوله: ((ولا مولى لكم)). [خ¦4043]


[1] لعل الصواب: ((فلم)).
[2] في هامش الأصل: ((جاء في كتاب الحميدي: يشتددن والشد العدو، وفي كتاب البخاري: يشتدن بدال واحدة ونقطها نقطة الشين في التاء كثيراً ما يجيء هذا النوع في كتب الحديث بترك إظهار التضعيف وهو قبيح في العربية لأن الإدغام إنما جاز في الحرف المضعف لما سكن الأول وتحرك الثاني فأدغم وصح الإدغام يقال شد يشد واشتد يشتد فأما إذا صرت إلى الإخبار عن جماعة النساء فتقول شددن يشددن واشتددن يشتددن فيظهر التضعيف لأن نون جماعة النساء مفتوحة ولا يكون قبلها إلا ساكن فإذا سكن ما قبلها وهو الحرف الثاني من الحرف المشدد والحرف الأول من المشدد ساكن أيضاً فاجتمع ساكنان ولا يمكن النطق بهما فحرك الأول لأن الثاني قصد سكونه لأجل النون فإذا تحرك الأول ظهر التضعيف ولا يجوز إدغامه بل لا يمكن وجاء في سنن أبي داود يستدن بسين مهملة ونون ومعناه يصعدن فيه، يقال: سند الرجل وأسند في الجبل إذا صعد فيه والسند ما ارتفع من الأرض ويحتمل أن الذي جاء في كتاب البخاري بدال واحدة أريد به ما أراده أبو داود والنساخ أحالوه بالنقط إلى غيره والله أعلم بصوابه .
السوق جمع ساق الإنسان .
هبل: اسم صنم، وقوله: اعل أمر بالعلو .
سجال أي: يكون لنا مرة ولكم مرة وأصله من المستقين بالدلو وهو السجل يكون لهذا دلو ولهذا دلو .
تخطفنا الطير هذا تمثيل في شدة ما يتوقع أن يلقاه؛ أي: إن رأيتمونا قد أخذنا الطير وأعدمتنا من الأرض فلا تبرحوا مكانكم)).