جنى الجنتين ومجمع البحرين في تجريد متون الصحيحين

حديث: بعث النبي سرية عينا وأمر عليهم عاصم

          1122- البخاري: عن أبي هريرة قال: بعث النبي صلعم سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري _وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب_ فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل، يقال لهم: بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رامٍ، فاقتصوا أثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم فلما أحس بهم عاصمٌ وأصحابه لجأوا إلى فدفدٍ، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا، أن لا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافرٍ، اللهم أخبر عنا رسولك، فقاتلوهم فرموهم، حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم فلما استمنكوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهم: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة فاشترى خبيب بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيبٌ هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيراً، حتى إذا أجمعوا على قتله، استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها، فأعارته، قالت: فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه، فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني، وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزقٌ رزقه الله خبيباً، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال: دعوني أصل ركعتين، ثم انصرف إليهم، فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزعٌ من الموت لزدت _فكان أول من سن الركعتين عند القتل_ وقال: اللهم أحصهم عددا:
ما أبالي حين أقتل مسلماً                     على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله، وإن يشأ                     يبارك في أوصال شلوٍ ممزع
          ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتى بشيء من جسده بعد موته وكان قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليهم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء(1).
          وفي رواية: قال: بعث رسول الله صلعم عشرة رهط عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري _جد عاصم / بن عمر بن الخطاب_ فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة... وذكر الحديث.
          وفيه: في رواية: بقريب من مئتي رجل، وفيه: لجؤوا إلى موضع، وفيه: فقال عاصم: أيها القوم أما أنا، وفيه: منهم خبيب وزيد بن الدثنة، وفيه: حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيباً، وفيه: فلما اخرجوه من الحرم ليقتلوه في الحل، وفيه: قال: اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً وقال:
فلست أبالي حين أقتل مسلماً                     على أي جنب ... .... ...
          وذكر البيتين، ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا(2) الصلاة وأخبرهم؛ يعني: النبي صلعم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم: ((ويبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت)) حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف وكان قتل رجلاً من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئاً.
          وفي رواية: عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عياض: أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا؛_يعني: لقتله_ استعار منها موسى يستحد بها فأعارته. [خ¦3045]


[1] في هامش الأصل: ((الفدقد: الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع .
الشِلو: العضو من أعضاء الإنسان .
الممزع: المفرق .
الظلة الشيء الذي يظلك من فوق .
الدبر: جماعة النحل)).
[2] في هامش الأصل: ((البدد المتفرقون اشتاتاً .
قتل الصبر: هو أن يقتل الإنسان بأي أنواع القتل كان، من غير أن يكون في حرب ولا قتال)).