جنى الجنتين ومجمع البحرين في تجريد متون الصحيحين

حديث: اعتمر رسول الله في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة

          1163- الإمامان: عن البراء بن عازب قال: اعتمر رسول الله صلعم في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة، حتى قاضاهم على أن يدخل _يعني من العام المقبل_ يقيم فيها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: ((هذا ما قاضى عليه محمدٌ رسول الله)) صلعم، قالوا: لا نقر بها، فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك، ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال: ((أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله)) ثم قال لعلي بن أبي طالب: ((امح: رسول الله)) قال: لا والله، لا أمحوك أبداً فأخذ رسول الله صلعم وليس يحسن يكتب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب(1)، وألا يخرج من أهلها بأحدٍ إن أراد: أن يتبعه، وألا يمنع من أصحابه أحداً إن أراد أن يقيم بها، فلما دخلها ومضى الأجل أتوا علياً فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنا، فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلعم فتبعتهم بنت حمزة تنادي: يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك بنت عمك، فحملتها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، قال علي: أنا أخذتها _وقال الحميدي: أنا أحق بها_ وهي بنت عمي، وقال جعفر: بنت عمي، وخالتها تحتي، وقال زيدٌ: بنت أخي، فقضى بها النبي صلعم لخالتها، وقال: ((الخالة بمنزلة الأم)) وقال لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) وقال / لجعفر: ((أشبهت خلقي وخلقي)) وقال لزيد: ((أنت أخونا ومولانا)).
          وفي رواية: قال: لما صالح رسول الله صلعم أهل الحديبية، كتب عليٌّ بينهم كتاباً، فكتب: محمد رسول الله، فقال المشركون: لا تكتب: محمد رسول الله، لو كنت رسول الله لم نقاتلك، ثم قال لعلي: ((امح)) فقال علي: ما أنا بالذي أمحوه، فمحاه رسول الله صلعم بيده، وصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام، ولا يدخلوها إلا بجلبان السلاح _فسألوه: ما جلبان السلاح؟ قال: القراب بما فيه والمسؤول عن جلبان السلاح، هو: أبو إسحق_ بين ذلك عبيد الله بن معاذ العنبري في حديثه، قال: قال شعبة لأبي إسحق: ما جلبان السلاح؟ قال: القراب بما فيه.
          وفي رواية: قال: صالح النبي صلعم المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: ((على أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوهم، وعلى أن يدخلها من قابلٍ، ويقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح)) السيف والقوس ونحوه _فجاء أبو جندلٍ يحجل(2) في قيوده_ فرده إليهم.
          وفي أخرى: أن النبي صلعم: لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه ألا يقيم بها إلا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح، ولا يدعو منهم أحداً، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب وكتب: ((هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)) فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك وتابعناك_وفي رواية لمسلم: بايعناك_ ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال: ((أنا والله محمد بن عبد الله، وأنا رسول الله)) قال: وكان لا يكتب، فقال لعلي: ((امح: رسول الله)) فقال علي: والله لا أمحوه أبداً قال: ((فأرنيه)) فأراه إياه فمحاه رسول الله صلعم، فلما دخل ومضى الأجل أتوا علياً فقالوا: مر صاحبك فليرتحل عنا، فذكر ذلك عليٌّ لرسول الله صلعم فقال: ((نعم)) ثم ارتحل.
          وفي أخرى: ثم قال لعلي: ((امح: رسول الله)) قال: لا، والله لا أمحوك أبداً فأخذ رسول الله صلعم الكتاب _وليس يحسن يكتب_ فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله... الحديث، وفيه: ذكر بنت حمزة، والأخذ لها، والخصومة فيها. [خ¦2699]


[1] في هامش الأصل: ((القراب: قراب السيف وهو: ما يوضع فيه بغمده شبيه بالجراب وأرادوا في صلحهم أن يستروا السلاح ولا يظهروه وهو الجلبان أيضاً، يقال للقراب وما فيه: جلبان، وقال الأزهري: القراب غمد السيف والجلبان شبيه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغموداً ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ويعلقه من آخرة الرحل أو واسطته وكأن اشتقاقه من الجلبة وهي الجلدة التي تجعل على القتب وهي الغشاء للقراب وكذلك الجلدة التي تغشى بها التميمة تسمى جلباناً)).
[2] في هامش الأصل: ((الحجل: مشي المقيد لتقارب ما بين خطوه)).