جنى الجنتين ومجمع البحرين في تجريد متون الصحيحين

حديث: اهتف لا يأتيني إلا أنصاري

          1174- مسلم: عن عبد الله بن رباح قال: وفدت وفود إلى معاوية _وذلك في رمضان_ فكان يصنع بعضنا لبعض طعاماً، فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاماً فأدعوهم إلى رحلي، فأمرت بالطعام يصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشي فقلت له: الدعوة عندي الليلة، فقال: سبقتني؟ فقلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة، فقال: أقبل رسول الله صلعم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالداً على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر، فأخذ بطن الوادي ورسول الله صلعم في كتيبته، قال: فنظر فرآني، فقال: ((أبو هريرة؟)) قلت: لبيك رسول الله، فقال: ((اهتف لا يأتيني إلا أنصاري)) ومن الرواة من قال: ((اهتف لي بالأنصار)) قال: فأطافوا به، ووبشت قريش من أوباشٍ لها وأتباع _وفي رواية: ووبشت قريش أوباشها وأتباعها_ فقالوا: نقدم هؤلاء / ، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فقال رسول الله صلعم: ((ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟)) ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى، ثم قال: ((حتى توافوني بالصفا)) قال: فانطلقنا، فما شاء أحدٌ منا أن يقتل أحداً إلا قتله، وما أحدٌ منهم يوجه إلينا شيئاً، قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيدت(1)خضراء(2) قريش، لا قريش بعد اليوم.
          قال: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)) فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبةٌ في قومه(3)ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء لا يخفى علينا، فإذا جلس فليس أحدٌ يرفع طرفه إلى رسول الله صلعم حتى ينقضي الوحي، فلما قضى الوحي، قال رسول الله صلعم: ((يا معشر الأنصار)) قالوا: لبيك يا رسول الله قال: ((قلتم: أما الرجل فأدركته رغبةٌ في قريته)) قالوا: قد كان ذاك، قال: ((كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم)) فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله ورسوله، فقال رسول الله صلعم: ((إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم)) قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس أبوابهم، قال: وأقبل رسول الله صلعم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، قال: فأتى إلى صنم إلى جانب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول الله صلعم قوس وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه ويقول: ((جاء الحق وزهق الباطل(4))) فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يده، فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو.
          وفي رواية: بهذا الحديث وزاد في الحديث: ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى: ((احصدوهم حصداً)) قال: وفي الحديث: قال: قلنا ذاك يا رسول الله، قال: ((فما اسمي إذا، كلا إني عبد الله ورسوله)).
          وفي أخرى: قال: وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان وفينا أبو هريرة، وكان كل رجل يصنع منا طعاماً يوماً لأصحابه، فكانت نوبتي، فقلت: يا أبا هريرة، اليوم يومي، فجاؤوا إلى المنزل ولم يدرك طعامنا، فقلت: يا أبا هريرة، لو حدثتنا عن رسول الله صلعم حتى يدرك طعامنا، فقال: كنا مع رسول الله صلعم يوم الفتح، فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي، فقال: ((يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار)) فدعوتهم، فجاؤوا يهرولون، فقال: ((يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟)) قالوا: نعم، قال: ((انظروا إذا لقيتموهم غداً أن تحصدوهم حصداً)) وأحفى بيده، ووضع يمينه على شماله / وقال: ((موعدكم الصفا)) قال: فما أشرف لهم يومئذٍ أحد إلا أناموه(5)، قال: وصعد رسول الله صلعم الصفا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال أبو سفيان: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، فقال رسول الله صلعم: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن)) فقالت الأنصار: أما الرجل، فقد أخذته رأفةٌ بعشيرته ورغبة في قريته، ونزل الوحي على رسول الله صلعم قال: ((قلتم: أما الرجل فقد أخذته رأفةٌ بعشيرته ورغبة في قريته، ألا فما اسمي إذاً _ثلاث مرات_ أنا محمد عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم)) قالوا: والله ما قلنا إلا ضناً بالله وبرسوله، قال: ((فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم)).


[1] في هامش الأصل: ((عند مسلم: أبيحت)).
[2] في هامش الأصل: ((المجنبة: جانب العسكر وله مجنبتان ميمنة وميسرة .
الحُسَّر جمع حاسر وهو: الذي لا درع عليه ولا مغفر وروي الحُبَّس وهم الرجالة سموا بذلك لتأخرهم عن الركبان .
الأوباش: الجموع من قبائل شتى، والتوبيش الجمع أي: جمعت لها جموعاً من أقوام متفرقين في الأنساب والأماكن .
أبيدت حضراء قربش أي: استوصلت وأهلكت، وخضراؤها: سوادها ومعظمها والعرب تعبر بالخضرة عن السواد وبالسواد عن الكثرة)).
[3] في هامش الأصل: ((عند مسلم: قريته)).
[4] في هامش الأصل: ((الضن: البخل والشح ضننت أضن .
سية القوس مخففاً طرفها إلى موضع الوتر .
زهق الباطل أي: اضمحل وذهب ضائعاً)).
[5] في هامش الأصل: ((البياذقة: الرجالة سموا بذلك لخفة حركتهم وأنهم ليس معهم ما يثقلهم وهذا يؤيد قول من قال الحُبَّس موضع الحبس .
الحصد كناية عن الاستئصال والمبالغة في القتل .
أحفى بيده أشار بحافتها وصفاً للحصد والقتل .
أناموه أي: قتلوه ومنه سمي السيف منيماً أي: مهلكاً)).