إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من قال عشرًا كان كمن أعتق رقبةً من ولد إسماعيل

          6404- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المُسْنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو) بفتح العين، أبو عامر العقديُّ قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ) بضم العين، واسم أبي زائدة: خالدٌ أو ميسرة، وهو: أخو زكريَّا بن أبي زائدة الهَمْدانيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عَمرو بن عبد الله السَّبيعيِّ التَّابعيِّ الصَّغير (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) بفتح العين، الأوديِّ التَّابعيِّ الكبيرِ المخضرم، أنَّه (قَالَ: مَنْ قَالَ عَشْرًا) أي: لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير (كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ) وعند مسلم: «كانَ كمَنْ أعتَقَ أربعَةَ أنفُسٍ منْ ولدِ إسماعِيْلَ» صفة رقبةٍ(1)، أي: حصلَ له من الثَّوابِ ما لو اشترَى ولدًا من أولادِ إسماعيلَ ╕ وأعتقَه، وإنَّما خصَّه(2)؛ لأنَّه أشرفُ النَّاس (قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ) بالسَّند السَّابق، و«عُمر» / : بضم العين، وسقطَ لأبي ذرٍّ «ابنُ أبي زائدةَ». حدَّثنا أبو إسحاق (وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ) بفتح المهملة والفاء، واسمهُ: سعيدُ بن محمَّدٍ الثَّوريُّ الهَمْدانيُّ الكوفيُّ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) عامرِ بن شَراحِيل(3) (عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة بعدها تحتية ساكنة‼ فميم، ولأبي ذرٍّ: ”عن الرَّبيع بن خُثَيم“ (مِثْلَهُ) أي: مثلَ روايةِ أبي إسحاق (فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ) بنِ خُثيم: (مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ(4): مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) الأوديِّ (فَأَتَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى) عبد الرَّحمن (فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى(5) فَقُلْتُ) له: (مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ(6): مِنْ أَبِي أَيُّوبَ) خالد (الأَنْصَارِيِّ) الخزرجيِّ (يُحَدِّثُهُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) وحاصله: أنَّ عمر بن أبي زائدة أسندهُ عن شيخين: أحدُهما: أبو إسحاق عن عَمرو بن مَيمون موقوفًا. والثَّاني: عن عبد الله بنِ أبي السَّفر، عن الشَّعبيِّ، عن الرَّبيع بن خُثيم، عن عَمرو بن ميمون(7)، عن ابنِ أبي ليلى، عن أبي أيُّوب، مرفوعًا.
          (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ: عَنْ أَبِيهِ) يوسف بنِ إسحاق (عَنْ) جدِّه (أَبِي إِسْحَاقَ) عَمرو السَّبيعيِّ، أنَّه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ) الأوديُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) الأنصاريِّ (قَوْلَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) سقطَ «عن النَّبيِّ...» إلى آخره لأبي ذرٍّ، وأفادت هذه الرِّواية التَّصريح بتحديثِ عَمرو لأبي إسحاق، وأفادتْ أيضًا زيادة ذكرِ عبدِ الرَّحمن بنِ أبي ليلى وأبي أيوب في السَّند(8).
          (وَقَالَ مُوسَى) بنُ إسماعيل المِنْقَريُّ، التَّبوذكيُّ شيخ المؤلِّف، ممَّا وصلَه أبو بكر بن أبي خيثمةَ في «تاريخه»: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) بضم الواو مصغَّرًا، ابن خالدٍ (عَنْ دَاوُدَ) بنِ أبي هند دينار القشيريِّ البصريِّ (عَنْ عَامِرٍ) الشَّعبيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) خالدٍ الأنصاريِّ ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) ولفظ رواية ابنِ أبي خيثمةَ: «كانَ لهُ من الأجرِ مثلُ مَن أعتقَ أربعةَ أنْفُسٍ من ولدِ إسماعيلَ».
          (وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ) بنُ أبي خالدٍ الأحمسيُّ البجليُّ: (عَنِ الشَّعْبِيِّ) عامر (عَنِ الرَّبِيعِ) بن خُثيم (قَوْلَهُ) أي: أنَّه موقوفٌ. قال في «الفتح»: واقتصارُ البخاريِّ على هذا القدر يوهم أنَّه خالفَ داود في وصلهِ، وليس كذلك، وإنَّما أرادَ أنَّه جاءَ في هذه الطَّريق عن الرَّبيع من قوله. ثمَّ لمَّا سُئل عنه وَصَلَهُ(9). قال: وقد وقع لنا ذلك واضحًا في «زيادات الزُّهد» لابن المبارك رواية الحسين بنِ الحسن المروزيِّ، قال الحسين: حدَّثنا المعتمرُ بن سليمان: سمعتُ إسماعيلَ بن أبي خالدٍ يحدِّث عن عامرٍ الشَّعبيِّ: سمعتُ الرَّبيع(10) بن خُثيم، يقول: «من قال: لا إله إلَّا الله...» فذكره بلفظ: «فهو عَدْل أربع رقابٍ» فقلتُ له: عمَّن ترويهِ؟ فقال: عن عَمرو بنِ ميمون، فلقيتُ عَمْرًا فقلت: عمَّن ترويه؟ فقال: عن عبدِ الرَّحمن بنِ أبي ليلى، فلقيتُ عبد الرَّحمن فقلتُ: عمَّن ترويهِ؟ فقالَ: عن أبي أيُّوب، عن النَّبيِّ صلعم .
          (وَقَالَ آدَمُ) بنُ أبي إياسٍ شيخُ المؤلِّف، وعند الدَّارقطنيِّ: حدَّثنا آدم، بدل قوله: «وقال آدم» (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ) الهلاليُّ الكوفيُّ الزَّراد (سَمِعْتُ هِلَالَ بْنَ يَسَافٍ) بفتح(11) التَّحتية والمهملة مخففة وبعد الألف فاء، الأشجعيَّ (عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) كلاهما (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ) عبد الله ☺ (قَوْلَهُ)‼ أي: من(12) قولهِ موقوفًا عليه. وعند النَّسائيِّ من رواية محمَّد بنِ جعفر، عن شعبةَ بسنده السَّابق هنا عنِ ابنِ مسعودٍ قال: «لأنْ أقولَ: لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له...» الحديث، وفيه: «أحبُّ إليَّ من أنْ أعتقَ أربعَ رقابٍ». وزاد من طريقِ منصور بنِ المعتمر عن هلال بنِ يساف عن الرَّبيع وحدَه عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ: «بيده الخير»، وقال في آخره: «كانَ لهُ عدْلُ أربعِ رقابٍ من ولدِ إسماعيل».
          (وَقَالَ الأَعْمَشُ) سليمانُ بن مهران، ممَّا وصله النَّسائيُّ من طريق وكيعٍ عنه (وَحُصَيْنٌ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرَّحمن السُّلميُّ الكوفيُّ، ممَّا وصله محمَّد بن الفضل في «كتاب الدَّعاء» له، كلاهما (عَنْ هِلَالٍ) هو ابنُ يساف (عَنِ الرَّبِيعِ) بن خُثيم (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعودٍ ☺ (قوْلَهُ) أي: من قولهِ، ولفظ الأوَّل عند النَّسائيِّ عن عبدِ الله بن مسعودٍ / قال: «مَن قال: لا إله إلَّا الله _وفيه_: كانَ له عدْلُ أربعِ رقابٍ من ولدِ إسماعيل». ولفظ ابنِ الفضل: قال عبدُ الله: «مَن قال أوَّل النَّهار: لا إله إلَّا الله _وفيه_: كُنَّ له كعدْلِ(13) أربعِ رقابٍ محرَّرِين من ولدِ إسماعيل». وقد وقعَ قوله: «قال عُمر بنُ أبي زائدةَ: وحدَّثنا عبدُ الله بنُ أبي السَّفَر» عقبَ روايةِ أبي إسحاق عندَ غير أبي ذرٍّ في جميعِ الرِّوايات عن الفَـِرَبْريِّ، وكذا في روايةِ إبراهيمَ بنِ معقلٍ النَّسفيِّ عن البخاريِّ، وهو الصَّواب، وأمَّا في روايةِ أبي ذرٍّ(14) فتأخَّرت بعد روايةِ الأعمش وحُصين، فصار ذلك مشكلًا لا يظهرُ منه وجه الصَّواب، كما قالهُ في «الفتح».
          (وَرَوَاهُ) أي: الحديث المذكور (أَبُو مُحَمَّدٍ الحَضْرَمِيُّ) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة، ولا يُعرفُ اسمه وكان خادمًا لأبي أيُّوب، وقال المزيُّ: اسمُه: أفلحُ مَولى أبي أيَّوب. وقال الدَّارقطنيُّ: لا يعرف إلَّا في هذا الحديثِ وليس له في «الصَّحيح» غيره، وقد وصلَه(15) أحمدُ والطَّبرانيُّ(16) من طريقِ سعيدِ بنِ أبي إياسٍ الجريريِّ، عن أبي الورد ثُمامة بن حزنٍ القشيريِّ، عن أبي محمَّدٍ الحضرميِّ (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) الأنصاريِّ ☺ (عَنِ النَّبْيِّ صلعم ) وقال فيه: (كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ) وهذا أَعني(17) «كان كمن...» إلى آخره ثابتٌ في رواية أبي ذرٍّ، كما في الفرعِ وأصله.
          ولفظُ رواية الإمام أحمد والطَّبرانيِّ. قال أبو أيُّوب: لمّا قدمَ النَّبيُّ صلعم المدينة نزلَ عليٌّ فقال: «يا أبا أيوبَ ألَّا أعلِّمكَ؟» قلتُ: بلى يا رسولَ الله. قال: «مَا مِنْ عبدٍ يقولُ إذا أصبحَ: لَا إِله إِلَّا الله» فذكرهُ: «إلَّا كتبَ الله لهُ بها عشرَ حسنَاتٍ، ومحَا عنهُ(18) عشرَ سيِّئاتٍ، وإلَّا كنَّ له عندَ الله عدْل عشرِ رقابٍ محرَّرِين، وإِلَّا كانَ في جُنَّةٍ منَ الشَّيطان حتَّى يمسِيَ، ولا قالهَا حينَ يمسِي إلَّا كانَ كذلِك» قال: فقلتُ: لأبي محمَّدٍ أنت سمعتَها من أبي أيُّوب؟ قال: الله لسمعته من أبي أيُّوب.
          ورواهُ الإمام‼ أحمدُ أيضًا من طريقِ عبد الله بنِ يعيش، عن أبي أيُّوب رفعهُ: «مَن قال إذَا صلَّى الصُّبحَ: لا إلَه إلَّا الله» فذكرهُ بلفظ: «عشرُ مرَّاتٍ كُنَّ لهُ كعَدْلُ أربعَ رقَابٍ، وكُتِبَ لهُ بهنَّ عشر حسنَاتٍ، ومُحِيَ عنهُ بهنَّ عشرُ سيِّئاتٍ، ورُفِعَ لهُ بهنَّ عشرُ درجاتٍ، وكُنَّ لهُ حرزًا منَ الشَّيطان حتَّى يمسِي، وإذا قالهَا بعدَ المغربِ فمثلُ ذلِك» وسندهُ حسنٌ. قال الحافظُ ابن حجرٍ: واختلافُ هذه الرِّوايات في(19) عددِ الرِّقاب مع اتِّحاد المخرجِ يقتضِي(20) التَّرجيح بينها، فالأَكثر على ذكرِ «أربعةٍ» ويجمعُ بينهُ وبينَ حديثِ أبي هُريرة بذكر(21) «عشرة» لِقولها(22): «مئة» فيكونُ مقابل كلِّ عشر مرَّاتٍ رقبةٌ من قَبْلِ المضاعفةِ، فيكون لكلِّ مرةٍ بالمضاعفةِ رقبةٌ، وهي مع ذلك لمطلق الرِّقاب، ومع وصف كونِ الرَّقبة من بني(23) إسماعيل يكون مُقابل العَشرة من غَيرهم أربعةٌ منهم؛ لأنَّهم أشرفُ من غيرهم من العربِ فضلًا عن العجم، وأمَّا ذِكر رقبةٍ بالإفرادِ في حديث أبي أيُّوبٍ فشاذٌّ، والمحفوظُ «أربعةٌ»، كما مرَّ.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ: (وَالصَّحِيْحُ(24) قَوْلُ عَمْرٍو) بفتح العين (قَالَ الحَافِظُ أَبْو ذَرٍّ الهَرَويُّ: صَوَابُهُ عُمَرُ) بضم العين (وَهُوَ ابْنُ أَبِيْ زَائِدَةَ) وفي «اليونينية» عقبَ قول أبي ذرٍّ(25): قلتُ: وعلى الصَّواب ذكرهُ أبو عبدِ الله البخاريُّ في الأصلِ، أي: لمّا قال: قال عمرُ بنُ أبي زائدةَ: و(26)حدَّثنا عبدُ الله بنُ أبي السَّفَر (كَمَا تَرَاهُ) في محلِّه المذكور (لَا عَمْرُو) بفتح العين. قال في «فتح الباري»: وعندَ أبي زيدٍ المروزيِّ في روايتهِ «الصَّحيح» ”قولُ عبد الملك بنِ عَمرو“ وقال الدَّارقطنيُّ: الحديثُ حديث ابنِ أبي السَّفَر عن الشَّعبيِّ، وهو الَّذي ضبطَ الإسناد، ومرادُ البخاريِّ ترجيحُ روايةِ عمر بن أبي زائدة عن أبي إسحاق على روايةِ غيرهِ عنه. وقوله: «قَالَ أبو عبدِ الله...» إلى آخره ثبتَ لأبي ذرٍّ عن المُستملي، وهو في الفرع كأصلهِ على هامشهِ مخرَّج له في الفرعِ بعد قولهِ: «وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه...» إلى آخره، قبل قوله: «وقال موسى: حَدَّثنا وهيب» ولم يخرِّج له في «اليونينيَّة».


[1] في (ص): «رقبته».
[2] في (ع): «خص».
[3] «عن الشَّعبيِّ عامر بن شراحيل»: ليست في (ع)، و«عامر بن شراحيل»: ليست في (د).
[4] في (ع) و(د): «قال».
[5] في (د): «فأتيت عمرو بن ميمون». وهو سبق نظر.
[6] في (د) و(ع): «قال».
[7] «بن ميمون»: ليست في (د) و(ص) و(ع).
[8] في (ص) و(ل) زيادة ستأتي، كما في بقيَّة الأصول: (قال أبو عبد الله البخاريُّ: والصَّحيح قول: عَمرو؛ بفتح العين. قال الحافظ الهرويُّ: صوابه: عُمر، وهو ابنُ أبي زائدة، ممَّا رأيته في «اليونينيَّة»).
[9] في «الفتح» زيادة: «وليس كذلك».
[10] في (د): «الزبير».
[11] في (ص) زيادة: «وبكسر».
[12] في (د): «مثل».
[13] في (ص): «عدل».
[14] «ذرّ»: ليست في (د).
[15] في (د): «وصل».
[16] في (د): «والدارقطني».
[17] في (ب): «أعني وهذا»، وفي (د): «وقال أعني».
[18] في (ب) و(س) زيادة: «بها».
[19] في (ص): «من».
[20] في (ص): «مقتضٍ».
[21] في (د): «بذكره».
[22] في (د): «كقوله».
[23] في (ب) و(س): «ولد».
[24] في (ص) و (ل): «الصواب».
[25] «وفي «اليونينيَّة» عقب قول أبي ذرٍّ»: ليست في (د).
[26] «و»: ليست في (ص).