إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له

          6403- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القَعْنَبيُّ (عَنْ / مَالِكٍ) الإمام الأعظم (عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية، مولى أبي بكر بن عبد الرَّحمن المخزوميِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان السَّمَّان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) قيل: التَّقدير: لا إله لنا أو في الوجودِ. قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين بن دقيق العيد: وهذا أنكرهُ بعض المُتكلِّمين على النَّحويِّين بأنَّ نفي الحقيقة مطلقةً أعمُّ من نفيها مقيَّدةً، فإنَّها إذا نُفيت مقيَّدةً كان دالًّا على سلبِ الماهيةِ مع القيد، وإذا نُفيت غير مقيَّدةٍ كان نفيًا للحقيقة، وإذا انتفت الحقيقةُ انتفت مع كلِّ قيدٍ، أمَّا إذا نُفيت مقيَّدةً بقيدٍ مخصوصٍ لم يلزم نفيها مع قيدٍ آخر. انتهى.
          وقال أبو حيَّان: «لا إله» مبنيٌّ(1) مع «لا» في موضع رَفْعٍ على الابتداء، وبُني الاسم مع «لا» لتضمُّنه معنى «من» أو للتَّركيب. وقال(2) الزَّجَّاج: هو مُعربٌ منصوبٌ بها، وعلى البناء فالخبرُ مقدَّرٌ. قال أبو حيَّان: واعترض صاحب «المُنتخب» على النَّحويِّين في تقديرهم الخبر في: «لا إله إلَّا الله» وذكر ما ذكره الشيخ تقي الدِّين قال: وأجابَ أبو عبد الله محمَّد بن أبي الفضل المرسيُّ في «رِيِّ الظمآن» فقال: هذا كلامُ من لا يعرفُ لسان العرب، فإن «إله» في موضعِ المبتدأ على قولِ سيبويهِ، وعند غيره اسم «لا» وعلى التَّقديرين فلا بُدَّ من خبرٍ للمبتدأ أو لـ «لا»، فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسدٌ، وأمَّا قوله: إذا لم يضمر كان نفيًا للإلهيَّة، فليس بشيءٍ؛ لأنَّ نفي الماهيَّة هو(3) نفيُ الوجود؛ لأنَّ الماهيةَ لا تُتَصوَّر عندنا إلَّا مع الوجودِ فلا فرقَ بين لا ماهية ولا وجود(4)، وهذا مذهبُ أهل السُّنَّة خلافًا للمعتزلةِ، فإنَّهم يُثبتون الماهية عَرِيَّةً عن الوجودِ وهو فاسدٌ، وقولهم في كلمةِ الشَّهادة: «إلَّا الله»(5) هو‼ في موضع رفعٍ بدلًا من «لا إله» ولا يكون خبرًا لـ «لا» لأنَّ «لا» لا تعملُ في المعارف، ولو قلنا: إنَّ(6) الخبر للمبتدأ وليس لـ «لا» فلا يصحُّ أيضًا لِمَا يلزمُ عليه من تنكيرِ المبتدأ وتعريفِ الخبر.
          قال صاحب «المجيد» السَّفاقسيُّ: قد أجاز الشَّلَوْبِينُ في تقييدٍ له على «المفصَّل» أنَّ الخبر للمبتدأ يكون معرفةً، وسَوَّغَ(7) الابتداءَ بالنَّكرة النَّفيُ، ثمَّ أكَّدَ الحصرَ المُستفاد من قوله: «لا إله إلَّا الله» بقوله: (وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) مع ما فيهِ من تكثيرِ حسنات الذَّاكر، فقوله: «وحدهُ» حالٌ مؤكّدةٌ وتؤوَّل بمنفردٍ(8)؛ لأنَّ الحال لا تكون معرفةً، و«لا شريكَ له» حالٌ ثانيةٌ مُؤكِّدةٌ لمعنى الأولى، و«لا» نافيةٌ، و«شريك» مبنيٌّ مع «لا» على الفتحِ، وخبرُ «لا» متعلِّقٌ له (لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ) بضم الميم (وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) جملةٌ حاليَّةٌ أيضًا، ومن منع تعدُّد الحال جعلَ «لا شريكَ» له حالًا من ضمير «وحده» المؤوَّل بمنفردٍ(9)، وكذلك «له الملك» حالٌ من ضميرِ المجرورِ في «له» وما بعدَ ذلك معطوفات (فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ) بفتح العين، أي: مثل ثوابِ إعتاق (عَشْرِ رِقَابٍ) بسكون الشين (وَكُتِبَتْ) بالتَّأنيث(10) وللكُشميهنيِّ _كما(11) في «الفتح» و«اليونينية»_: ”وكتب“ (لَهُ) بالقولِ المذكور (مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا) بكسر الحاء، أي: حِصْنًا (مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ) بنصب «يومَ» على الظَّرفيَّة (حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ) وفي روايةِ عبد الله بنِ يوسف، في «باب صفة إبليس» [خ¦3293] «ممَّا جاءَ به» (إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ) الاستثناءُ منقطعٌ، أي: لكنْ رجل عمل أكثر ممَّا عملَ، فإنَّه يزيدُ عليه، أو الاستثناءُ متَّصلٌ بتأويلٍ.


[1] في (د) و(ع): «بني».
[2] «وقال»: ليست في (س).
[3] في (د) و(ص): «هي».
[4] في (د): «بين الماهية والوجود».
[5] «الله»: لم يرد اسم الجلالة في (د) و(ص) و(ع)، وفي (ل): «إلَّا هو».
[6] في (د): «أنه».
[7] في (د) و(ص): «يسوغ».
[8] في (ع): «تأوله بمفرد».
[9] في (ص): «بمفرد».
[10] في (ص) زيادة: «وهو في «اليونينيَّة» أبي ذرٍّ عن حمُّويي والمستملي». وكتب هذا على هامش (ج).
[11] في (ص): «مما».