إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب التأمين

          ░63▒ (باب التَّأْمِينِ) وهو قولُ: آمينَ، عقبَ الدُّعاء، ومعناها: اللَّهمَّ اسمعْ واستجبْ. وقال ابنُ عبَّاسٍ وقتادة: كذلك يكون، فهي اسمُ فعلٍ مبنيٌّ على الفتح، وقيل: ليس باسم فعلٍ، بل هو من أسماء الله تعالى، والتَّقدير: يا آمين، وضعَّفه أبو البقاء بوجهين:
          أحدُهما: أنَّه لو كان كذلك لكان ينبغِي أن يُبنى على الضَّمِّ؛ لأنَّه مُنادى مفرد معرفة.
          والثَّاني: أنَّ أسماء الله تعالى توقيفيَّة. ووجَّه الفارسيُّ قول من جعلهُ اسمًا لله تعالى على معنى أنَّ فيه ضميرًا يعود على الله تعالى؛ لأنَّه اسم فعلٍ، وهو توجيهٌ حسنٌ، نقله صاحب «المُغرِب».
          وفي آمين لغتان: المدُّ والقصر؛ فمن الأوَّل قوله:
آمِيْنَ آمِيْنَ لَا أَرْضَى بِوَاحِدَةٍ                     حَتَّى أُبلِّغَهَا أَلْفَينِ آمِيْنَا
وقال آخر:
يَا رَبِّ لَا تَسْلُبْنِي حُبَّهَا أَبَدًا                     ويَرْحَمُ اللهُ عَبْدًا قَالَ آمِيْنَا
          ومن الثَّاني قوله:
تَبَاعَدَ مِنِّي فَطْحَلٌ إِذْ رَأَيْتُه                     أَمِينَ فَزَادَ اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدَا
و«فَطْحَل» بفتح الفاء والحاء المهملة بينهما طاء مهملة ساكنة، اسمُ رجلٍ، وقيل: الممدودُ اسمٌ أعجميٌّ؛ لأنَّه بِزِنَةِ قابيل وهابيل، وقال النَّوويُّ في «تهذيبه»: قال(1) عطيَّة العوفيُّ: آمين، كلمةٌ عبرانيَّة، أو سريانيَّة، وليست عربيَّة، وقال جماعة: إنَّ: أمين، المقصورة لم تجئ عن العرب، والبيت الَّذي يُنْشَد مقصورًا لا يصحُّ على هذا الوجه وإنَّما هو: فآمين زادَ الله ما بيننا بُعدًا.
          وهل يجوزُ تشديد الميم؟ المشهور أنَّه خطأٌ نقله الجوهريُّ، لكنَّه رُوي عن الحسن البصريِّ وجعفر الصَّادق التَّشديد، وهو قولُ الحسنِ بن الفضلِ، مِنْ «أمَّ» إذا قصدَ، أي: نحن قاصدونَ نحوك، وعند(2) أبي داودٍ من حديثِ أبي زهير النَّميريِّ(3) قال: «وقف النَّبيُّ صلعم على رجلٍ قد ألحَّ في الدُّعاء فقال: أوجبَ إن خَتم، فقيل بأيِّ شيءٍ؟ قال: بآمِين، فأتاه الرَّجل، فقال: يا فلانُ اختمْ بآمين وأبشِرْ، فكان أبو زهيرٍ يقول: آمين مثلُ الطَّابع على الصَّحيفة».
          فآمين طابعُ الدُّعاء، وخاتمُ الله على عبادهِ، يدفع به الآفات عنهم، كما أنَّ خاتمَ الكتاب يمنعه من ظهورِ ما فيه على غيرِ من كُتِب إليه وهو الفساد، كذلك الختمُ في الدُّعاء يمنعهُ من الفساد الَّذي هو الخَيبة، كما في مسلمٍ من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «إِذا دعا أحدُكُم لا يقُل: اللَّهُمَّ اغفِرْ لي إنْ شئتَ، ولكِن ليعزِمْ، وليُعظِّم الرَّغبةَ» أي: في الإِجابة. وقال عبدُ الرَّحمن بنُ زيدٍ: آمين، كنزٌ من كنوز الجَّنة. وقال غيرهُ: آمين، درجةٌ في الجنَّة تجبُ لِقائلها.


[1] في (د): «فقال».
[2] في (د): «وعن».
[3] في كل الأصول: «النمري» وهو سبق قلم.