إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً

          6373- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن إبراهيم بنِ عبد الرَّحمن بنِ عوفٍ قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريُّ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ) بسكون العين (أَنَّ أَبَاهُ) سعد بن أبي وقَّاصٍ (قَالَ: عَادَنِي) بالدال المهملة‼ (رَسُولُ اللهِ صلعم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، مِنْ شَكْوَى) من غير تنوين، من مرضٍ(1) (أَشْفَيْتُ) بالمعجمة الساكنة وبعد الفاء تحتية ساكنة، أَشْرَفْتُ (مِنْهُ عَلَى المَوْتِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”منها“ أي: من الشَّكوى، واتَّفق أصحاب الزُّهريِّ على أنَّ ذلك كان في حجَّة الوداع إلَّا ابن عُيينة، فقال: في فتح مكَّة، أخرجه التِّرمذيُّ وغيره من طريقهِ(2)، واتَّفق الحفَّاظ على أنَّه وَهِمَ فيه(3)، نعم وَرَدَ عند أحمدَ والبزَّار والطَّبرانيِّ والبخاريِّ في «تاريخه»، وابن سعدٍ من حديثِ عَمرو بن القاري ما يدلُّ لروايةِ ابن عُيينة، ويمكنُ الجمعُ بينهما بالتَّعدد مرَّتين مرَّةً في(4) عام الفتحِ، وأُخرى في حجَّة الوداعِ.
          (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بَلَغَ بِي مَا تَرَى مِنَ الوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي) من أربابِ الفروض، أو من الأولادِ (إِلَّا ابْنَةٌ) ولأبي ذرٍّ: ”بنت“ (لِي وَاحِدَةٌ) تكنى: أمَّ الحكم الكبرى (أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟) بفتح المثلثة الثانية وسكون التَّحتية، والتَّعبير بقوله: «أفأتصدَّق»، يحتمل التَّنجيز والتَّعليق بخلاف «أفأوصي» [خ¦2742] لكنَّ المخرج مُتَّحدٌ فيُحمل على التَّعليق جمعًا بين الرِّوايتين (قَالَ) صلعم : (لَا. قلْتُ): يا رسول الله (فَبِشَطْرِهِ؟) أي: فبنصفهِ (قَالَ) صلعم : (الثُّلُثُ) كافٍ، وهو(5) (كَثِيرٌ) بالمثلَّثة (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ) بفتح الهمزة وبالذال المعجمة، أن تدعَ (وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ)(6) ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: ”تدعهم“ (عَالَةً) بالعين المهملة وتخفيف اللام، فقراءَ (يَتَكَفَّفُونَ) يسألونَ (النَّاسَ) بأكفِّهم، أو يسألون ما يكفُّ عنهمُ الجوع (وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ) تعالى (إِلَّا أُجِرْتَ) أي: عليها، والجملة عطفٌ على قوله: «إنَّك أن تذرَ»(7)، وهو علَّةٌ للنَّهي عن الوصيَّة بأكثر من الثُّلث، كأنَّه قيل: لا تفعلْ؛ لأنَّك إن متَّ وتذر ورثتَك أغنياءَ خيرٌ من أن تذرهُم فقراء، وإن عشتَ و(8)تصدَّقت بما بقي من الثُّلث، وأنفقتَ على عيالكَ يكن خيرًا لك (حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ) في فمِها. قال سعدٌ: (قلْتُ): يا رسولَ الله (آأُخَلَّفُ(9) بَعْدَ أَصْحَابِي؟) بضم همزة «أُخَلَّف» وفوقها مدة في «اليونينيَّة»(10) (قَالَ) ╕ : (إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ) بفتح اللام المشددة، كالسَّابق بعد أصحابك (فَتَعْمَلَ) نُصِبَ عطفًا(11) على سابقه (عَمَلًا) صالحًا (تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ) تعالى (إِلَّا ازْدَدْتَ) أي: بالعملِ الصَّالح (دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ) من المسلمينِ (وَيُضَرَّ) بفتح الضاد (بِكَ آخَرُونَ) من المشركين (اللَّهُمَّ أَمْضِ) بقطع الهمزة، أي: أتمِّم (لَأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ) من مكَّة إلى المدينة (وَلَا تَرُدَّهُمْ / عَلَى أَعْقَابِهِمْ) بترك هجرتهم. قال إبراهيمُ بن سعدٍ _فيما قال الزُّهريُّ_: (لَكِنِ البَائِسُ) الَّذي عليه أثرُ البؤس، وهو الفقرُ والحاجة (سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ) بفتح الخاء المعجمة وسكون‼ الواو (قالَ سَعْدٌ: رَثَى) بفتح الراء والمثلثة، بلفظ الماضي، أي: تحزَّن وتوجَّع (لَهُ النَّبِيُّ) ولأبي ذرٍّ: ”رسول الله“(12) ( صلعم مِنْ أَنْ تُوُفِّي) في حجَّة الوداع (بِمَكَّةَ) الَّتي هاجر منها وحُرم ثواب الهجرة. وقوله: «قال سعدٌ: رثى له النَّبيُّ صلعم » صريحٌ في وصل قوله: «لكن البائس» فلا يكون مُدرجًا من قول الزُّهريِّ، كما ادَّعاه ابن الجوزيِّ وغيره. وفي الحديث: جوازُ إخبار المريض بشدَّة مرضهِ، وقوَّة ألمهِ، إذا لم يقترن بهِ ما يمنعُ كعدم الرِّضا وغير ذلك ممَّا لا يخفى.
          وسبق الحديثُ في «كتاب الوصايا» [خ¦2742].


[1] في (س): «بغير تنوين، مرض».
[2] في (د): «من طريق».
[3] في (ع) و(د): «منه».
[4] «في»: ليست في (ص).
[5] في (د): «والثلث».
[6] في (د) زيادة: «بفتح الهمزة وبالذال المعجمة».
[7] في (ع): «تذرهم».
[8] «و»: ليست في (د) و(ص) و(ع).
[9] في (ج) و(ل): «أُخَلَّف».
[10] بضمِّ همزة «أُخلف»، وفوقها مدَّة في «اليونينيَّة»: ليست في (د).
[11] في (د): «عطف».
[12] «ولأبي ذرِّ: رسول الله»: ليست في (د).