إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم

          6362- وبه قال: (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) بن الحارثِ بنِ سَخْبرة الحَوْضيُّ الأزديُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) الدَّستُـَوائيُّ (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة (عَنْ أَنَسٍ ☺ ) أنَّه قال: (سَأَلُوا) أي: الصَّحابة (رَسُولَ اللهِ) وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”سُئِل“ بضم السين مبنيًّا للمفعول ”رسولُ الله“ ( صلعم حَتَّى أَحْفَوْهُ المَسْأَلَةَ) بحاء مهملة ساكنة وفتح الفاء وسكون الواو، ألحُّوا عليه فيها (فَغَضِبَ) ╕ لتعنُّتهم وتكلُّفهم بما(1) لا حاجةَ لهم به (فَصَعِدَ) بكسر العين المهملة، رَقِيَ (المِنْبَرَ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي) بحذف نون الوقاية(2)، ولأبي ذرٍّ: ”لا تَسْألونني“ (اليَوْمَ عَنْ شَيْءٍ‼) من الغيبِ(3) (إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ) قال أنسٌ: (فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا / وَشِمَالًا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ) حاضرٍ من الصَّحابة (لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي) بألفٍ بعد لامٍ ففاء مشدَّدة مرفوعةٍ، ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرَ: ”لافًّا“ بالنَّصب(4)، أي: حال كونه لافًّا، وفي «تفسير المائدة» [خ¦4621] من وجهٍ آخر: «لهم خَنِينٌ» وهو بالخاء المعجمة المفتوحة والنون المكسورة، صوتٌ مرتفعٌ من الأنف بالبكاءِ (فَإِذَا رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى) بالحاء المهملة المفتوحة؛ أي(5) خاصم (الرِّجَالَ يُدْعَى) بضم التحتية وسكون الدال وفتح العين المهملتين، يُنسب (لِغَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ) ╕ له: أبوكَ (حُذَافَةُ) بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة المخففة وبعد الألف فاء، وعند أحمدَ عن أبي هُريرة: «فقال عبدُ الله بنُ حُذَافة: مَن أبي يا رسولَ الله؟ فقال: حُذَافةُ بنُ قَيسٍ» وقيل: الرَّجلُ هو خارجةُ أخو عبد الله، والمعروف السَّابق (ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ) بن الخطَّاب ☺ لمَّا رأى(6) بوجههِ صلعم من أثر الغضبِ (فَقَالَ) شفقةً على المسلمين: (رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلعم رَسُولًا) قال في «الكواكب»: أي رضينا بما عندنا من كتابِ الله وسنَّة نبيِّنا، واكتفينَا به عن السُّؤال (نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ) جمع فتنةٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَا رَأَيْتُ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ كَاليَوْمِ) يومًا مثل هذا اليوم (قَطُّ إِنَّهُ) بكسر الهمزة (صُوِّرَتْ) بضم المهملة وكسر الواو المشدَّدة (لِي الجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا) رؤيا عينٍ، صوِّرتا له صلعم (وَرَاءَ الحَائِطِ) أي: حائط محرابهِ الشَّريف، كانطباع الصُّورة(7) في المرآة، فرأى جميعَ ما فيهما. لا يُقال: الانطباع إنَّما يكون في الأجسام(8) الصَّقيلة؛ لأنَّ ذلك شرطٌ عاديٌّ، فيجوزُ انخراقُ العادة خصوصًا له صلعم .
          (وَكَانَ قَتَادَةُ) بن دِعامة السَّدوسيُّ (يَذْكُرُ عِنْدَ هَذَا الحَدِيثِ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء}) قال الخليلُ وسيبويه وجُمهور البصريِّين: أصله: شيئاء، بهمزتين بينهما ألف، وهي فعلاء من لفظ شيءٍ، وهمزتها الثَّانية للتَّأنيث، ولذا لم تنصرفْ كحمراء، وهي مفردةٌ لفظًا، جمعٌ معنًى، ولمَّا استثقلت الهمزتان المجتمعتان قُدِّمت الأولى الَّتي هي لامٌ فجُعلت قبل الشين فصار وزنها لفعاء، والجملة الشَّرطية في قوله: ({إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة:101]) صفةٌ لـ {أَشْيَاء} في محلِّ جرٍّ، وكذا الشَّرطيَّة المعطوفة أيضًا.
          والحديثُ أخرجهُ المؤلِّف أيضًا في «الفتن» [خ¦7089] وسبق مختصرًا في «كتاب العلم» [خ¦93] وأخرجهُ مسلمٌ في «الفضائل».


[1] في (ع) و(د): «ما».
[2] «بحذف نون الوقاية»: ليست في (د).
[3] في (ع): «الفتنة»، وفي (د): «اليوم من الفتنة».
[4] في (ص) و(ع) و(د): «نصب».
[5] في (ص): «إذا».
[6] في (ص) زيادة: «ما».
[7] في (ع) و(د): «الصور»، وفي (ص) و(ل): «كالطابع المصوَّر».
[8] في (د): «يكون بالأجسام».