إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور

          6312- وبه قال: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ) بفتح القاف وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة، ابن عقبة الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ عَبْدِ المَلِكِ) بن عُميرٍ (عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد التحتية، و«حِراش» بالحاء المهملة المكسورة وبعد الراء ألف فشين معجمة(1) (عَنْ حُذَيْفَةَ) ☺ ، ولأبي ذرٍّ زيادة ”ابن اليمان“، أنَّه (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا أَوَى) بقصر الهمزة (إِلَى فِرَاشِهِ) دخل فيه (قَالَ: بِاسْمِكَ) بوصل الهمزة (أَمُوتُ وَأَحْيَا) بفتح الهمزة، أي: بذكرِ اسمكَ أحيا ما حييتُ وعليه أموتُ، أو المراد: باسمك المميت أموتُ، وباسمك المحيي أحيا؛ إذ معاني الأسماء الحسنى ثابتةٌ له تعالى، فكلُّ ما(2) ظهر في الوجودِ فهو صادرٌ عن تلك المقتضيات (وَإِذَا قَام) من النَّوم (قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا) قال ابن الأثير: سمِّي النَّوم موتًا لأنَّه يزول معه العقلُ والحركة تمثيلًا وتشبيهًا. انتهى.
          قال الله تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} أي: يسلب ما هي به حيَّةٌ حسَّاسةٌ درَّاكةٌ {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}[الزمر:42] أي: و(3)يتوفَّى الأنفس الَّتي لم تمتْ في منامها، أي: يتوفَّاها حين تنام تشبيهًا للنَّائمين بالموتى حيث(4) لا يميزون ولا يتصرَّفون كما أنَّ الموتى كذلك، وقيل: يتوفَّى الأنفس الَّتي لم تمتْ في منامها هي أنفس التَّمييز، فالَّتي تتوفَّى في المنامِ هي نفس(5) التَّمييز لا نفس الحياة؛ لأنَّ نفس الحياة إذا زالت زال معها النَّفس والنَّائم يتنفَّس، ولكلِّ إنسانٍ نفسان: نفس الحياة الَّتي تفارقه عند الموت، والأخرى: نفس التَّمييز الَّتي تفارقه إذا نام. وعن ابن عبَّاسٍ: «في ابن آدم نفسٌ وروحٌ بينهما مثل شعاع الشَّمس، فالنَّفس الَّتي بها العقل والتَّمييز، والرُّوح الَّتي بها النَّفس والتَّحرك، فإذا نام الإنسان قبض الله نفسه ولم يقبضْ روحه» (وَإِلَيْهِ) تعالى (النُّشُورُ) الإحياءُ للبعث يوم القيامة.
          فإن قيل: ما سبب الشُّكر على الانتباه من النَّوم؟ أجاب في «شرح المشكاة»: بأنَّ انتفاع الإنسان بالحياة إنَّما هو بتحرِّي رضا الله عنه(6)، وتوخِّي طاعته، والاجتناب عن سخطه وعقابهِ، فمَن نامَ زال عنه هذا الانتفاعُ، ولم يأخذْ نصيب حياته‼ وكان(7) كالميِّت، فكان قوله(8): الحمد لله، شكرًا لنيل هذه النِّعمة، وزوال ذلك المانع.
          (تُنْشِرهَا) بالفوقية المضمومة أوله، أي: (تُخْرِجُهَا) كذا في الفرع وأصله، وهو ثابتٌ / في رواية الحَمُّويي، والَّذي في القرآن: {نُنِشرُهَا} بالنون، ورواه الطَّبريُّ من طريق ابن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ.
          والحديثُ أخرجه البخاريُّ أيضًا في «التَّوحيد» [خ¦7394]، وأبو داود في «الأدب»، والتِّرمذيُّ، وأخرجه النَّسائيُّ في اليوم واللَّيلة، وابن ماجه في «الدُّعاء».


[1] في (د) و(ص) و(ع): «فمعجمة».
[2] في (ص) و(ع): «فكلَّما».
[3] «و»: ليست في (ب).
[4] في (ص) ونسخة من (ل): «حين»، وفي (ع) و(ل): «حتى».
[5] في (د) و(ع): «أنفس»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[6] «عنه»: ليست في (د) و(ص) و(ع).
[7] في (د): «فكان».
[8] في (ع): «قول».