إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ

          6259- وبه قال: (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ) بضم الموحدة وسكون الهاء، التَّيميُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ) عبد الله الأوديُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ) بضم العين وفتح الموحدة، ختنُ أبي عبد الرَّحمن السُّلميِّ (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ) بضم السين وفتح اللام (عَنْ عَلِيٍّ ☺ ) أنَّه (قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم وَالزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ وَأَبَا مَرْثَدٍ) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة (الغَنَوِيَّ) بفتح الغين المعجمة والنون وكسر الواو، وسبق في «الجهاد» بدل قوله هنا: أبا مرثدٍ والمقداد(1) [خ¦3007] ولا منافاةَ لاحتمالِ اجتماعهما؛ إذ التَّخصيصُ بالذِّكر لا ينفِي الغيرَ (وَكُلُّنَا فَارِسٌ فَقَالَ: انْطَلِقُوا) بكسر اللام (حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ) بمعجمتين بينهما ألف، موضعٌ بين مكَّة والمدينة (فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ المُشْرِكِينَ) اسمها سارة (مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى المُشْرِكِينَ) أي(2) إلى ناسٍ(3) من المشركين ممَّن بمكَّة، كما في رواية «سورة الممتحنة» [خ¦4890] (قَالَ) عليٌّ ☺ : (فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلعم . قَالَ: قُلْنَا) لها: (أَيْنَ الكِتَابُ الَّذِي مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَأَنَخْنَا بِهَا) جملها (فَابْتَغَيْنَا) فطلبنَا الكتاب (فِي رَحْلِهَا) بالحاء المهملة، في مَتاعها (فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا، قَالَ صَاحِبَايَ) الزُّبير وأبو مرثدٍ: (مَا نَرَى كِتَابًا. قَالَ) عليٌّ: (قُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْتُ مَا كَذَبَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَالَّذِي يُحْلَفُ(4) بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ) بضم الفوقية وكسر الراء والجيم وتشديد النون (أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ) من ثيابك (قَالَ) عليٌّ ☺ : (فَلَمَّا رَأَتِ الجِدَّ مِنِّي) بكسر الجيم وتشديد المهملة (أَهْوَتْ بِيَدِهَا إِلَى حُجْزَتِهَا) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها زاي، معقِد إزارها (وَهْيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتِ الكِتَابَ).
          فإن قلتَ: سبق في «باب الجاسوس» من «كتاب الجهاد» [خ¦3007] أنَّها أخرجته من عِقَاصها، أي: شعرها، وهنا قال: من حُجزتها. أُجيب بأنَّه ربَّما كان في الحجزة أوَّلًا فأخرجتْه وأخفتْه(5) في العقاصِ فأخرج منها ثانيًا أو بالعكس.
          (قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَ) لحاطبٍ: (مَا حَمَلَكَ يَا حَاطِبُ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَا بِي إِلَّا أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَرَسُولِهِ(6)) بكسر الهمزة وتشديد اللام، على الاستئناف(7)، وللكُشميهنيِّ: ”أن لا“ بفتح الهمزة (وَمَا غَيَّرْتُ) ديني، يريد أنَّه لم يرتدَّ عن الإسلام(8) (وَلَا بَدَّلْتُ) بتشديد المهملة (أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ) منَّةٌ ونعمةٌ (يَدْفَعُ اللهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي) الَّذي بمكَّة (وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ) أحدٌ له (هُنَاكَ) أهلٌ أو مالٌ (إِلَّا وَلَهُ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ‼ وَمَالِهِ. قَالَ) صلعم : (صَدَقَ فَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ) بالنصب والفاء أوله، وللكُشميهنيِّ: ”أضرب“ بإسقاط الفاء والجزم (قَالَ) عليٌّ ☺ : (فَقَالَ) صلعم : (يَا عُمَرُ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ) الَّذين شاهدوا وقعتَها (فَقَالَ) مخاطبًا لهم خطاب تكريمٍ: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ) بالمغفرةِ في الآخرة، وإلَّا فلو توجَّه على أحدٍ منهم حدٌّ أو حقٌّ استُوفي(9) منه في الدُّنيا (قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) وقولُ عمر ☺ مع قوله صلعم : «لا تقولوا له إلَّا خيرًا» يحملُ على أنَّه لم يسمعْ ذلك، أو كان قوله قبل قولِ النَّبيِّ صلعم قاله السَّفاقسيُّ، ويحتملُ أن يكون عمر لشدَّته في أمرِ الله حملَ النَّهي على ظاهرهِ من(10) منع القول السَّيِّئِ له، ولم ير ذلك مانعًا من إقامةِ ما وجب عليه من العقوبةِ للذَّنب الَّذي ارتكبَه، فبيَّن صلعم أنَّه صادقٌ في اعتذارهِ، فإنَّ الله عفا عنه، وفيه جوازُ النَّظر في كتاب الغيرِ إذا كان طريقًا إلى دفعِ / مفسدةٍ هي أكبرُ(11) من مفسدةِ النَّظر، فحديث ابن عبَّاسٍ المرويُّ عند أبي داود بسندٍ ضعيفٍ «مَن نظرَ في كتابِ أخيهِ بغيرِ إذنهِ، فكأنما ينظرُ في النَّار» إنَّما هو في حقِّ مَن لم يكن متَّهمًا على المسلمين، وأمَّا مَن كان متَّهمًا فلا حُرمة له، والحاصل: أنَّه يخصُّ منه ما يتعيَّن طريقًا إلى دفعِ المفسدةِ، كما مرَّ.
          والحديثُ مرَّ مرارًا(12) [خ¦3007] [خ¦4890].


[1] في (د): «المقداد».
[2] «أي»: ليست في (د).
[3] في (ب) و(س): «أناس».
[4] في (ص): «نحلف».
[5] في (ص): «فأخرجتها وأخفتها».
[6] في (ب): «رسول».
[7] في (ع) و(د): «الاستثناء».
[8] في (د): «عن دين الإسلام».
[9] في (ص): «يستوفي».
[10] في (ص): «مع». في الأصل: «... في أمر الله وحمل النهى...» والواو لعلها زائدة.
[11] في (د): «أكثر»، كذا في «الفتح».
[12] في (د): «كما مر الحديث مرارًا».