إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله كان إذا سلم سلم ثلاثًا

          6244- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) هو ابنُ منصورٍ الكوسج الحافظ قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (عَبْدُ الصَّمَدِ) بن عبد الوارث قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُثَنَّى) أي: ابنُ عبد الله بن أنسٍ، واختُلف فيه فوثَّقه العجليُّ والتِّرمذيُّ(1). وقال أبو زُرعة وابن معينٍ: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ. قال الحافظ(2) ابن حَجرٍ: لعلَّه أراد في بعضِ حديثه، وقد تقرَّر أنَّ البخاريَّ حيث يخرِّج لبعض مَن فيه مقالٌ لا يخرِّج شيئًا ممَّا أُنكر عليه، وقول ابن معينٍ: ليس بشيءٍ، أراد به في حديثٍ بعينه سُئل عنه، والرَّجل إذا ثبتتْ عدالته لم يُقبل فيه الجرح إلَّا مفسَّرًا بأمرٍ قادحٍ، وذلك غير موجودٍ في عبد الله بن المثنَّى هذا. وقال ابن حِبَّان لما ذكرهُ في «الثِّقات»: ربَّما أخطأ، والَّذي أُنكرَ عليه إنَّما هو من روايتهِ عن غير عمِّه ثُمَامة، وإنَّما أخرج له عن عمِّه هذا الحديث، قال: (حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بضم المثلثة وتخفيف الميم الأولى، ابن أنس بن مالكٍ قاضي البصرة، وهو: عمُّ(3) عبد الله بن المثنَّى (عَنْ) جدِّه (أَنَسٍ ☺ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ إِذَا سَلَّمَ) على أناسٍ(4) (سَلَّمَ) عليهم (ثَلَاثًا) أي: ثلاث مرَّاتٍ، وهذه الصِّيغة _كما قال في «الكواكب»_ تُشعر بالاستمرارِ عند الأصوليين، وتُعقِّب بأنَّ(5) صيغة «كان» بمجرَّدها لا تقتضِي مداومةً ولا تكثيرًا، فـ «إذا» شرط جوابه «سلَّم» وقال الإسماعيليُّ: يشبه أن يكون ذلك: كان إذا سلَّم سلامَ الاستئذانِ، على ما رواه أبو موسى وغيره، أي: التَّالي لهذا الحديث [خ¦6245] وأمَّا أن يمرَّ المارُّ مسلِّمًا فالمعروف عدم التَّكرار، والظَّاهر أنَّ البخاريَّ فهم هذا المعنى بعينه فأوردَ هذا الحديث مقرونًا بحديث أبي موسى في قصَّته مع عمر، لكن يحتملُ أن يكون ذلك كان يقعُ منه أيضًا إذا خشي أن لا يُسمعَ سلامه، وقد يُشرع تكرارُه إذا كان الجمع كثيرًا ولم يسمع بعضُهم وقصدَ الاستيعاب، وهل إذا سلَّم ثلاثًا(6) فظنَّ أنَّه لم يسمعْ يزيد عليها(7)؟ فقال مالكٌ: يزيد حتَّى يتحقَّق‼، وقال الجمهورُ: إنَّه لا يزيد عملًا بالحديث (وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ) بجملةٍ مفيدةٍ (أَعَادَهَا ثَلَاثًا) زاد في «كتاب العلم» حتَّى تُفهم [خ¦94] وللتِّرمذيِّ والحاكم حتَّى تُعقل عنه.
          والحديثُ سبق في «باب مَن أعاد الحديث ثلاثًا ليُفهم» في «كتاب العلم» [خ¦94] وقدَّم هنا السَّلام على الكلام كالحديث الأوَّل من البابِ المسوق في «العلم» وعَكَس في الحديث الثَّاني منه فقدَّم الكلام على السَّلام، وقد نبَّهت هناك / على أنَّ الحديث الأوَّل من البابِ المذكور ساقطٌ في رواية ابن عساكر وأبي ذرٍّ.


[1] في كل الأصول: «واليزيدي» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] «الحافظ»: ليست في (س).
[3] «عم»: ليست في (د).
[4] في (ع): «ناس».
[5] في (ص): «بأنه».
[6] في (ع): «سلامًا».
[7] «يزيد عليها»: ليست في (س).