إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله هو السلام فإذا جلس أحدكم في الصلاة

          6230- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفصُ بن غياثٍ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ)‼ سليمان بنُ مهران (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (شَقِيقٌ) هو ابنُ سلمة أبو وائلٍ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعودٍ ☺ ، أنَّه (قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلعم قُلْنَا) في التَّشهُّد: (السَّلَامُ عَلَى اللهِ قَبْلَ عِبَادِهِ) أي: قبل السَّلام على عباده (السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ) ولأبي ذرٍّ زيادة: ”وفلانٍ“ وفي رواية عبد الله بن نُميرٍ، عن الأعمش _عند ابن ماجه_ يعنون الملائكة. وللإسماعيليِّ من رواية عليِّ بن مسهرٍ «فنعدُّ(1) الملائكة» (فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صلعم ) أي: فرغ من الصَّلاة (أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ) قال النَّوويُّ: السَّلام اسمٌ من أسماء الله يعني: السَّالم من النَّقائص. ويقال: المسلِّم أولياءه، وقيل: المسلِّم عليهم. انتهى. فهو مصدرٌ نُعِت به، والمعنى: ذو السَّلامة من كلِّ آفةٍ ونقيصةٍ. وقد ثبتَ في القرآن في أسمائه تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ}[الحشر:23] وفي «الأدب المفرد» من حديث أنسٍ بسندٍ حسنٍ: «السَّلام من أسماءِ الله، وضعَه الله في الأرض، فأفشُوه بينكم»، وأخرجه البزَّار من حديث ابنِ مسعودٍ مرفوعًا وموقوفًا، والبيهقيُّ في «شُعبه» من حديث أبي هُريرة مرفوعًا بسندٍ ضعيفٍ، وعن ابن عبَّاسٍ موقوفًا: السَّلام اسم الله وهو تحيَّةُ أهل الجنَّة. أخرجه البيهقيُّ في «الشعب». والظَّاهر أنَّ البخاريَّ أخذ بعض الحديث لمَّا لم يجد شيئًا صريحًا على شرطه فجعله ترجمةً، وأورد ما يؤدِّي معناه على شرطهِ وهو حديث التَّشهُّد. قال في «شرح المشكاة»: ووظيفة العارف من قوله: السَّلام أن يتخلَّق به بحيث يسلِّم قلبه من الحقدِ والحسدِ، وإرادة الشَّرِّ، وجوارحهِ عن ارتكابِ المحظوراتِ، واقترافِ الآثام، ويكون مسالمًا / لأهل الإسلام ساعيًا في ذبِّ المضارِّ عنهم، ومسلِّمًا على كلِّ مَن يراهُ عرفه أو لم يعرفْه (فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ) جمع تحيَّةٍ، وهي الملك الحقيقي التَّامُّ (وَالصَّلَوَاتُ) قيل: المراد الصَّلوات المعهوداتُ في الشَّرع، فيقدَّر: واجبة لله، وإن أريدَ بها رحمته التِّي تفضَّل بها على عباده، فيقدَّر: كائنة أو ثابتة لعباد الله، فيقدَّر مضاف محذوفٌ (وَالطَّيِّبَاتُ) أي: الكلمات الطَّيِّبات، وهي ذكرُ الله تعالى كلُّها مستحقَّة لله (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ) «السَّلام» مبتدأٌ، و«عليك» في موضع خبره، وبه يتعلَّق حرف الجر، والألف واللَّام للجنسِ، ويدخلُ فيه المعهود، والمعنى السَّلام عليك ولك، أو معناه التَّسليم، أو التَّعوُّذ، أي: الله معك، أي: متولِّيك وكفيلٌ بك، أو معناهُ: الانقيادُ، لكن قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: وليس يخلو بعضُ هذا من ضعفٍ؛ لأنَّه لا يتعدَّى السَّلام لبعضِ هذه المعاني‼ بعلى. انتهى.
          قال ابنُ فَرحون: ويحتملُ أن يكون «السَّلام عليك» مبتدأ خبره محذوفٌ، أي: السَّلام عليك موجودٌ، ويتعلَّق حرف الجرِّ بـ «السَّلام» لأنَّه فيه معنى الفعل (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ) أعاد حرف الجرِّ؛ ليصحَّ العطف على الضَّمير المجرور (فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ) أي: وعلى عباد الله الصَّالحين (أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) اعتراضٌ بين قوله: الصَّالحين، وبين قوله: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ يَتَخَيَّرْ) المصلِّي (بَعْدُ مِنَ الكَلَامِ) من الدُّعاء (مَا شَاءَ).
          والحديثُ سبق في «باب التَّشهُّد» من «الصَّلاة» [خ¦831].


[1] في (ص): «فعند».