إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم

          5634- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بنُ أبي أويس (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالتَّوحيد (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) الأصبحيُّ الإمام (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابنِ عمر (عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) التَّابعي الثِّقة (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) ☺ (1) (عَنْ) خالته (أُمِّ سَلَمَةَ) هند بنت أبي أميَّة ♦ (زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم أَنَّ رَسُولَ اللهِ(2) صلعم قَالَ: الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الفِضَّةِ) ولأبي ذرٍّ: ”في آنية الفضةِ“ ولمسلم من طريق عثمان بن مرَّة، عن عبدِ الله بن عبد الرَّحمن: «مَن شَرِب من إناءِ ذهبٍ أو فضَّةٍ»، وله أيضًا من رواية عليِّ بن مُسْهر، عن عبيدِ الله بن عمر(3) العُمري، عن نافعٍ: «إنَّ الَّذي يأكلُ أو يشربُ في آنيةِ الذَّهب والفضَّةِ»، لكن تفرَّد عليُّ بن مسهر بقولهِ: يأكلُ (إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ) بضم التحتية وفتح الجيم الأولى وكسر الثانية بينهما راء ساكنة وآخره راء أيضًا، صوتُ تردُّد البعيرِ في حنجرتهِ إذا هاجَ، وصب الماء في الحلقِ كالتَّجرجرِ، والتَّجرجر: أنْ يجرعه جرعًا مُتَداركًا، جرجرَ الشَّراب وجَرْجره: سَقَاه‼ على تلكَ الصِّفة، وقول النَّوويِّ اتَّفقوا على كسر الجيم الثانية من يُجرجر. تُعُقِّب بأنَّ الموفق ابن حمزة في كلامهِ على «المهذب» حكى فتحها، وحكى الوجهين ابن الفِرْكَاح وابنُ مالك في «شواهد التوضيح» وتُعُقِّب بأنَّه لا يُعرف أن(4) أحدًا من الحفَّاظ رواه مبنيًّا للمفعول، ويبعدُ اتِّفاق الحفَّاظ قديمًا وحديثًا على تركِ روايةٍ ثابتةٍ. قال: وأيضًا فإسنادُه إلى الفاعلِ هو الأصل وإلى المفعولِ فرع، فلا يصارُ إليه بغيرِ فائدةٍ، وقوله: «نار جهنَّم» بنصبِ نارٍ في الفرع على أنَّ الجرجرةَ بمعنى: الصَّب أو التَّجرع، فالشَّارب هو الفاعل، والنَّار مفعوله، وجاء الرَّفع على الفاعليَّة على أنَّ الجرجرةَ هي الَّتي تصوِّت في البطنِ، والأشهرُ الأول.
          وقال في «شرح المشكاة»: وأمَّا الرَّفع فمجاز لأنَّ جهنَّم في الحقيقةِ لا تجرجر في جوفهِ، والجرجرة: صَوت البعير عند الضَّجر، ولكنَّه جعلَ صوت تجرِّع الإنسان للماء في هذه الأوانِي المخصوصةِ لوقوعِ النَّهي عنها واستحقاقِ العقاب على استعمالها كجرجرةِ نارِ جهنَّم في بطنهِ من طريق المجازِ، وقد يُجْعَل / يجرجر(5) بمعنى: يصب، ويكون نارُ جهنَّم منصوبًا على أنَّ «ما» كافَّة، أو مرفوعًا على أنَّه خبر إنَّ(6) واسمها ما الموصولة، ولا تُجْعَل حينئذٍ كافَّة، وفي الحديث: حرمةُ استعمال الذَّهب والفضَّة في الأكلِ والشُّرب والطَّهارة والأكلِ بملعقةٍ من أحدِهما(7) والتَّجمر بمجْمَرةٍ، والبول في الإناء، وحرمة الزِّينة به واتِّخاذه، ولا فرقَ في ذلك بين الرَّجل والمرأة، وإنما فُرِّق بينهما في التَّحلِّي لما يقصد فيها من الزِّينة للزَّوج، ولا في الإناءِ بين الكبيرِ والصَّغير ولو بقدر الضَّبَّة الجائزة كإناءِ الغالية، وخرجَ بالتَّقييد بالاستعمالِ والزِّينة والاتخاذ حِلُّ شمِّ رائحة مجمرةِ الذَّهب والفضَّة من بعد. قال في «المجموع»: أن يكون بُعدها بحيثُ لا يعدُّ متطيِّبًا(8) بها، فإن جمَّر بها ثيابه أو بيتهُ حرمَ، وإن ابتليَ بطعام فيهما(9) فليخرجْهُ إلى إناءٍ آخرَ من غيرهما، أو بِدُهْنٍ في إناءٍ من أحدهمَا فليصبَّهُ في يدِهِ اليُسرى ويستعمله.
          ورجالُ هذا الحديث كلُّهم مدنيون، وأخرجه مسلمٌ في «الأطعمة»، والنَّسائيُّ في «الوليمة»، وابن ماجه في «الأشربةِ».


[1] في (د): «عنهم».
[2] في (م) و(د): «النبي».
[3] في (د): «بكر».
[4] «أن»: ليست في (م).
[5] في (د): «يجرجره».
[6] في (م): «كان».
[7] في (م): «بملعقة الذهب والفضة».
[8] في (د): «مطيبًا».
[9] في (م): «فيها».