إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن

          5578- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) أبو جعفر المصريُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (يُونُسُ) بنُ يزيد الأيليُّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بنِ مسلم الزُّهريِّ أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف (وَابْنَ المُسَيَّبِ) بفتح التحتية المشدَّدة، سعيدًا (يَقُولَانِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺ : إِنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: لَا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ) كامل بحذف الفاعل، أي: لا يزني الزَّاني، كما في الرِّواية الأخرى في «المظالم» [خ¦2475] وهي هنا رواية ابنِ عساكرَ وأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ، واستدلَّ به ابن مالك على جوازِ حذف الفاعل، وفيه كلامٌ سبق في «المظالم» ويأتي _إن شاء الله تعالى_ في «كتاب الحدود» (وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ) شاربها (حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ) قال المُظَهَّريُّ: أي: لا يكون كاملًا في الإيمان حال كونه زانيًا، أو لفظه لفظ الخبر ومعناه النَّهي، والوجه الأول أوجَه، وحمله الخطَّابيُّ على المُستحلِّ. وقال شارح(1) «المشكاة»: يمكن أن يقالَ: المرادُ بالإيمان المنفي الحياء، كما روي: «إنَّ الحياء شعبةٌ من(2) الإيمان» أي: لا يزني الزَّاني حين يزني وهو يستحِي من الله تعالى؛ لأنَّه لو استحيا من اللهِ تعالى واعتقدَ أنَّه حاضرٌ شاهدٌ بحالهِ لم يرتكبْ هذا الفعل الشَّنيع، ويحتملُ أن يكون من بابِ التَّغليظ والتَّشديد، كقولهِ تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ}[آل عمران:97] يعني: هذهِ الخصال ليستْ من خصالِ المؤمنين لأنَّها منافيةٌ لحالهمْ، فلا ينبغِي أن يتَّصفوا بها، بل هي من أوصافِ الكافرين‼، وينصره قول الحسن وأبي جعفر الطَّبريِّ: أن المعنى: ينزعُ منه اسم المدحِ الَّذي يسمَّى به أولياؤه المؤمنون، ويستحقُّ اسم الذَّمِّ، فيقال: زانٍ وسارقٍ.
          (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) الزُّهريُّ بالسَّند السَّابق: (وَأَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ) أبا عبد الملك المذكور (أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (ثُمَّ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ) هو ابنُ عبد الرَّحمن المذكور (يُلْحِقُ) بضم التحتية وسكون اللام وكسر المهملة بعدها قاف، يزيد في حديث أبي هريرة (مَعَهُنَّ) مع المذكوراتِ: الزِّنا وشرب الخمرِ والسَّرقة (وَلَا يَنْتَهِبُ) النَّاهبُ من مالِ الغير قهرًا(3) (نُهْبَةً) بضم النون وسكون الهاء (ذَاتَ شَرَفٍ) قدرٍ خطيرٍ، والنَّهبة _بالفتح_: المصدر، وبالضم: المال الَّذي انتهبَهُ الجيش(4) (يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ) أي: إلى النَّاهب (أَبْصَارَهُمْ فِيهَا) في تلك النَّهبة (حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ) إذ هو ظلم عظيمٌ لا يليق بحالِ المؤمن.


[1] في (م): «صاحب».
[2] في (د): «من شعب».
[3] «من مال الغير قهرًا»: ليست في (د).
[4] في (م) و(د) زيادة: «قهرًا».