إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مات النبي ولم يجمع القرآن غير أربعة

          5004- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ) بضم الميم وفتح العين المهملة واللَّام المشددة، العمِّيُّ، أبو الهيثم، أخو بهزِ بنِ أسدٍ البصريِّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُثَنَّى) بنِ عبدِ الله بنِ أنس بنِ مالكٍ الأنصاريِّ، أبو المثنَّى، البصريُّ، صدوقٌ إلَّا أنَّه كثيرُ الغلطِ، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (ثَابِتٌ البُنَانِيُّ) بضم الموحدة وتخفيف النون، واسمُ أبيهِ أسلم أبو محمَّد البصريُّ (وَثُمَامَةُ) بضم المثلثة، ابنُ عبدِ اللهِ بنِ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريُّ، البصريُّ قاضيها، كلاهما (عَنْ أَنَسٍ) وللأَصيليِّ: ”عن أنسِ بنِ مالكٍ ☺ “ أنَّه (قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صلعم وَلَمْ يَجْمَعِ القُرْآنَ) على جميعِ وجوههِ وقراءاتهِ، أو لم يجمعْه كلَّه تلقيًّا من فِي النَّبيِّ صلعم بلا واسطةٍ، أو لم يجمع ما نُسخَ منهُ بعدَ تلاوتهِ وما لم ينسَخ، أو معَ أحكامهِ والتَّفقه فيهِ، أو كتابتهِ وحفظهِ (غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ) عويمرُ بنُ مالكٍ، وقيل: ابنُ عامرٍ، وقيل: ابنُ ثعلبةَ، الخزرجيُّ (وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) السَّلْمِيُّ _بالفتح_ (وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ) النَّجاريُّ (وَأَبُو زَيْدٍ)‼ سعدُ بنُ عبيدٍ الأوسيُّ، والحصر لعلَّه باعتبارِ ما ذكر.
          قال المَازريُّ: لا يلزمُ من قولِ أنسٍ: لم يجمعْه غيرهُم أن يكون الواقعُ في نفسِ الأمرِ كذلك؛ لأنَّ التَّقدير أنَّه لا يعلمُ أنَّ سواهم جمعهُ، وإلَّا فكيفَ الإحاطةُ بذلك مع كثرةِ الصَّحابة وتفرُّقهم في البلادِ؟ وهذا لا يتمُّ إلَّا إن كان لقيَ كلَّ واحدٍ منهم على انفرادهِ وأخبرهُ عن نفسهِ أنَّه لم يكملْ له جمعُ القرآنِ في عهدهِ صلعم ، وهذا في غايةِ البُعدِ في العادةِ. انتهى.
          وقد وقعَ في روايةِ الطَّبري من طريقِ سعيدِ بنِ أبي عروبةَ، عن قتادةَ في أوَّل الحديث: افتخرَ الحيَّان الأوس والخزرج، فقال الأوسُ: منَّا أربعةٌ: من اهتزَّ لهُ عرشُ الرَّحمن سعدُ بنُ معاذٍ، ومن عدلَتْ شهادتهُ شهادةَ رجلينِ خزيمةُ بنُ ثابتٍ، ومن غسَّلته الملائكَةُ حنظلةُ بنُ أبي(1) عامرٍ، ومن حمته الدَّبر عاصمُ بنُ ثابتٍ. فقال الخزرجُ: منَّا أربعةٌ جمعوا القرآنَ لم يجمعْه غيرهُم... فذكرهم، فلعلَّ مرادَ أنسٍ بقولهِ: لم يجمعِ القرآنَ غيرهُم؛ أي: من الأوسِ بقرينةِ المفاخرةِ المذكورةِ، لا النَّفي عن المهاجرين.
          وقال ابنُ كثيرٍ: أنا لا أشكُّ أنَّ الصِّدِّيق ☺ قرأ القرآنَ، وقد نصَّ عليه الأشعريُّ مستدلًّا بأنَّه صحَّ أنَّه صلعم قال: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ وأكثرهُم قرآنًا» وتواترَ عنه صلعم أنَّه قدَّمه للإمامةِ، ولم يكنْ صلعم يأمرُ بأمرٍ ثمَّ يخالفهُ بلا سببٍ، فلولا أنَّ أبا بكرٍ كان متَّصفًا بما يقدِّمه في الإمامةِ على سائرِ الصَّحابة وهو القراءة لما قدَّمه، فلا يسوِّغ نفي حفظِ القرآنِ عنه بغيرِ دليلٍ، وقد صحَّ في «البخاريِّ» [خ¦476] أنَّه بنى مسجدًا بفناءِ دارهِ، فكان يقرأُ القرآن؛ أي: ما نزلَ / منهُ إذ ذاكَ، وجمعَ عليٌّ القرآنَ على ترتيبِ النُّزول. وقال ابنُ عمر _فيما رواه النَّسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ_: جمعتُ القرآنَ فقرأتُ بهِ كلَّ ليلةٍ... الحديثَ.
          وعدَّ أبو عُبيد(2) القرَّاء من الصَّحابة من المهاجرينَ: الخلفاء الأربعة، وطلحةَ، وسعدًا، وابن مسعودٍ، وحذيفةَ، وسالمًا، وأبا هريرةَ، وعبد الله بن السَّائب، والعبادِلة، ومن النساء: عائشةَ، وحفصةَ، وأمَّ سلمة، ولكن بعض هؤلاء إنَّما أكملهُ بعدهُ صلعم .
          وعندَ ابنِ(3) أبي داود في «كتاب الشَّريعة»: من المهاجرين أيضًا: تميم بن أوسٍ الدَّاريُّ(4)، وعقبةُ بن عامرٍ. ومن الأنصارِ: عبادةُ بن الصَّامت، وأبو حليمةَ معاذٌ، ومجمِّعُ بنُ جاريةَ، وفضالَةُ بنُ عُبيدٍ، ومسلمةُ بنُ مخلدٍ، وممَّن جمعه أيضًا أبو موسَى الأشعريُّ _فيما ذكرهُ الدَّاني_ وعمرُو بن العاصِ‼، وسعدُ بنُ عبادةَ، وبالجملة فيتعذَّر ضبطهُم على ما لا يخفى، ولا يتمسَّك بما في هذهِ الأحاديث لما ذكرناهُ، وكيف يكونُ ذلكَ مع ما وردَ من قتلِ القرَّاءِ ببئرِ معونَة ويوم اليمامة؟ لا سيَّما مع(5) ما في هذهِ الأحاديثِ من الاضطرابِ في العددِ والنَّفي والإطلاقِ، وليسَ فيها شيءٌ من المرفوع إلى النَّبيِّ صلعم .
          وقد تعقَّب الإسماعيليُّ الحديثين الأخيرينِ باختلافهمَا بالحصرِ وعدمه، مع ذكرِ أبي الدَّرداء بدل أبيِّ بن كعبٍ، فقال: لا يجوزانِ في الصَّحيح مع تباينهِما، بل الصَّحيحُ أحدهما، وجزمَ البيهقيُّ بأنَّ ذكرَ أبي الدَّرداء وهمٌ، والصَّواب أبيُّ بنُ كعبٍ، وقال الدَّاوديُّ: لا أرى ذكرَ أبي الدَّرداء محفوظًا(6).
          (قَالَ) أنسٌ: (وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ) بكسر الراء مخفَّفة؛ أي: أبا زيد؛ لأنَّه مات ولم يتركْ عقبًا، وهو(7) أحدُ عمومةِ أنسٍ، كما في «المناقب» [خ¦3810] وهو يردُّ على من سمَّى أبا زيدٍ المذكور سعدَ بنَ عبيد بن النُّعمانِ، أحدَ بني عمرو بنِ عوفٍ؛ لأنَّ أنسًا خزرجيٌّ، وسعدَ بنَ عبيدٍ أوسيٌّ، وعندَ ابن أبي داود بإسنادٍ على شرطِ البخاريِّ إلى ثمامةَ، عن أنسٍ: أنَّ أبا زيدٍ الَّذي جمع القرآنَ اسمه: قيسُ بنُ السَّكن، قال: وكان رجلًا منَّا من بني عديِّ بن النَّجار أحدِ عمومَتي، ومات ولم يدَعْ عقبًا، ونحن ورِثْنَاه. وقال ابنُ أبي داود: حَدَّثنا أنسُ بنُ خالدٍ الأنصاريُّ قال: هو قيسُ بنُ السَّكن بنِ زعوراءِ من بني عديِّ بن النَّجار. قال ابنُ أبي داود: ماتَ قريبًا من وفاةِ رسولِ الله صلعم ، فذهبَ علمهُ ولم يؤخَذْ عنهُ، وكان عقبيًّا بدريًّا.
          قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: فهذا يرفعُ الإشكالَ من أصلهِ.


[1] «أبي»: ليس في (م).
[2] في (ب): «عبيدة».
[3] «ابن»: ليست في (د).
[4] في (د): «الدارمي».
[5] «مع»: ليست في (ص).
[6] في (م) و(د): «مرفوعًا»، وكتب على هامشه «محفوظًا».
[7] في (د): «وهذا».