إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم

          2262- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) الأزرقيُّ القوَّاس (المَكِّيُّ) صاحب «أخبار مكَّة» قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى) بفتح العين وسكون الميم (عَنْ جَدِّهِ) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأمويِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”إلَّا راعِيَ الغنم“ بألفٍ(1) بعد الرَّاء وكسر العين (فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟) بحذف همزة الاستفهام، أي: أَوَ أنت(2) أيضا رَعَيْتَها؟ (فَقَالَ) ╕ : (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) وفي رواية ابن ماجه عن سُوَيد بن سعيدٍ عن عمرو بن يحيى: كنت أرعاها لأهل مكَّة بالقراريط. وقال سويدٌ شيخ ابن ماجه: يعني: كلَّ شاةٍ بقيراطٍ، يعني: القيراط الذي هو جزءٌ من الدِّينار أو الدِّرهم، وقال أبو إسحاق الحربيُّ: قراريط(3)‼ اسم موضعٍ بمكَّة، وصحَّحه ابن الجوزيِّ كابن ناصرٍ، وأيَّده مغلطاي: بأنَّ العرب لم تكن تعرف القيراط، قال ابن حجرٍ: لكنَّ الأرجح الأوَّل؛ لأنَّ أهل مكَّة لا تعرف بها مكانًا يُقال له: قراريط. انتهى. وقال بعضهم: لم تكن العرب تعرف(4) القيراط الذي هو من النَّقد، ولذا قال ╕ _كما في «الصَّحيح»_: «تفتحون أرضًا يُذكَر فيها القيراط»، لكن لا يلزم من عدم معرفتهم لهما أن يكون النَّبيُّ صلعم لا يعرف ذلك، والحكمة في إلهامهم صلوات الله وسلامه عليهم رعي الغنم قبل النُّبوَّة؛ ليحصل لهم التَّمرُّن برعيها على ما يُكلَّفونه من القيام بأمر أمَّتهم، ولأنَّ في مخالطتها زيادة الحِلْمِ والشَّفقة؛ لأنَّهم إذا صبروا على مشقَّة الرَّعي، ودفعوا عنها السِّباع الضَّارية والأيدي الخاطفة، وعلموا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها، وعرفوا ضعفها واحتياجها إلى النَّقل من مرعًى إلى مرعًى، ومن مسرحٍ إلى مسرحٍ(5)، فرفقوا بضعيفها وأحسنوا تعاهدها، فهو توطئةٌ لتعريفهم سياسة أممهم، وخصَّ الغنم لأنَّها أضعف من غيرها، وفي ذكره صلعم لذلك بعد أن علم أنَّه أشرف خلق الله تعالى ما فيه من التَّواضع والتَّصريح بمنَّته عليه.
          وهذا / الحديث أخرجه ابن ماجه(6) في «التِّجارات».


[1] في (د): «بالألف».
[2] في (ب) و(د1) و(ص): «وأنت».
[3] قوله: «وقال سويدٌ شيخ ابن ماجه... قراريط» ليس في (ص).
[4] زيد في (ص): «لها»، ولا يصحُّ.
[5] في غير (ص) و(م): «مراحٍ».
[6] «ابن ماجه»: سقط من (د).