إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنها تنفي الرجال كما تنفي النار خبث الحديد

          1884- وبه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ) الأنصاريِّ الصَّحابيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ) من الزِّيادة الخطميِّ الأنصاريِّ الصَّحابيِّ، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ☺ يَقُولُ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ) ولأبي ذرٍّ: ”رسول الله“ ( صلعم / إِلَى) غزوة (أُحُدٍ) وكانت سنة ثلاثٍ من الهجرة (رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ) ╕ ‼ من الطَّريق، وهم عبد الله بن أبيٍّ ومن تبعه (فَقَالَتْ فِرْقَةٌ) من المسلمين: (نَقْتُلُهُمْ) أي: نقتل الرَّاجعين (وَقَالَتْ فِرْقَةٌ) منهم: (لَا نَقْتُلُهُمْ) لأنَّهم مسلمون (فَنَزَلَتْ) لمَّا اختلفوا: ({فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}[النساء:88]) أي: تفرَّقتم في أمرهم فرقتين، حالٌ عاملُها «لكم»، و«في المنافقين»: متعلِّقٌ بما دلَّ عليه «فئتين» أي: متفرِّقين فيهم (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : إِنَّهَا) أي: المدينة (تَنْفِي الرِّجَالَ) جمع رجلٍ، والألف واللَّام للعهد عن(1) شرارهم وأخسَّائِهم؛ أي: تميِّز وتُظهِر شرارَ الرِّجال من خيارهم، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”تنفي الدَّجَّال“ بالدَّال وتشديد الجيم، قال في «الفتح»: وهو تصحيفٌ، وفي «غزوة أحدٍ» [خ¦4050] «تنفي الذُّنوب»، وفي «تفسير سورة النِّساء» [خ¦4589]: «تنفي الخَبَث»، وأخرجه في هذه المواضع كلِّها من طريق شعبة، وأخرجه مسلمٌ والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ من رواية غندرٍ عن شعبة باللَّفظ الذي أخرجه في «التَّفسير» [خ¦4589] من طريق غندرٍ، وغُنْدرٌ أثبتُ النَّاس في شعبة، وروايته توافق رواية حديث جابرٍ الذي قبله [خ¦1883] حيث قال فيه: «تنفي خَبَثَها»، وكذا أخرجه مسلمٌ من حديث أبي هريرة بلفظ: «تُخرِج الخَبَث»، ومضى في أوَّل «فضائل المدينة» [خ¦1871] من وجهٍ آخر عن أبي هريرة: «تنفي النَّاس» والرِّواية التي هنا: «تنفي الرِّجال» لا تنافي الرِّواية التي بلفظ: «الخبث»، بل هي مفسِّرةٌ للرِّواية المشهورة بخلاف: «تنفي الذُّنوب»، ويحتمل أن يكون فيه حذفٌ تقديره: أهل الذُّنوب، فتلتئم مع باقي الرِّوايات. انتهى. (كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الحَدِيدِ) وتُبقِي الطِّيب أزكى ما كان وأخلص، وكذلك المدينة.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «المغازي» [خ¦4050] و«التَّفسير» [خ¦4589]، ومسلمٌ في «المناسك» وفي «ذكر المنافقين»، والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ في «التَّفسير».


[1] في (ب) و(س): «أي».