إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: السفر قطعة من العذاب

          1804- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) بن قعنب القعنبيُّ المدنيُّ قال: (حَدَّثَنَا مَالِكٌ) إمام الأئمَّة (عَنْ سُمَيٍّ) بضمِّ السِّين المهملة وفتح الميم وتشديد التَّحتيَّة مُصغَّرًا القرشيِّ المخزوميِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان الزَّيَّات (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: السَّفَرُ قِطْعَةٌ) جزءٌ (مِنَ العَذَابِ) بسبب الألم النَّاشئ عن المشقَّة فيه لما يحصل في الرُّكوب والمشي من ترك المألوف (يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ) بنصب الأربعة لأنَّ «مَنَعَ» يتعدَّى إلى مفعولين(1)؛ الأوَّل: «أحدَكم»، والثَّاني: «طعامَه»، و«شرابَه»: عُطِف عليه، و«نومَه» إمَّا على الأوَّل، أو على الثَّاني على الخلاف، والجملة استئنافيَّةٌ، وهي في الحقيقة جوابٌ عمَّا يُقال: لِمَ كان السَّفر قطعةً من العذاب؟ فقال: لأنَّه يمنع أحدكم، وليس المراد بالمنع في المذكورات منع حقيقتها، بل منع كمالها، أي: لذَّة طعامه... إلى آخره، وفي حديث أبي سعيدٍ‼ المَقْبُرِيِّ: «السَّفر قطعةٌ من العذاب لأنَّ الرَّجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه»، وللطَّبرانيِّ: «لا يهنأ أحدُكم نومَه ولا طعامَه ولا شرابَه»، أو المراد: يمنعه(2) ذلك في الوقت الذي يريده لاشتغاله بالمسير(3)، ولمَّا جلس إمام الحرمين موضع أبيه سُئِل: لِمَ كان السَّفر قطعةً من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأنَّ فيه فراق الأحباب. ولا يعارض ما ذكر حديث ابن عبَّاسٍ وابن عمر ♥ مرفوعًا: «سافروا تغنموا»، وفي روايةٍ: «تُرزَقوا»، ويُروَى: «سافروا تصحُّوا» لأنَّه لا يلزم من الصِّحَّة بالسَّفر _لما فيه من الرِّياضة والغنيمة والرِّزق_ ألَّا / يكون قطعةً من العذاب لما فيه من المشقَّة.
          (فَإِذَا قَضَى) المسافر (نَهْمَتَهُ) بفتح النُّون وإسكان الهاء، أي: رغبته وشهوته وحاجته(4) (فَلْيُعَجِّلْ) أي: الرُّجوع (إِلَى أَهْلِهِ) زاد في حديث عائشة عند الحاكم: «فإنَّه أعظم لأجره» قال ابن عبد البرِّ: وزاد فيه بعض الضُّعفاء عن مالكٍ: «وليتَّخذ لأهله هديَّةً وإن لم يجد إلَّا حجرًا» يعني: حجر الزِّناد، قال: وهي زيادةٌ مُنكَرةٌ.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «الجهاد» [خ¦3001] وفي «الأطعمة» [خ¦5429]، ومسلمٌ في «المغازي» والنَّسائيُّ في «السِّير».


[1] في غير (ص) و(م): «لمفعولين».
[2] في (ص): «بمنعه».
[3] في (ص): «بمسيره»، وفي (م): «بسيره».
[4] «وحاجته»: ليس في (د).