إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرةً في رمضان حجة

          1782- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) بفتح السِّين المهملة بعد ضمِّ الميم والدَّال الأولى مُشدَّدةً قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) القطَّان (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) عبد الملك (عَنْ عَطَاءٍ) هو ابن أبي رباحٍ، ولـ «مسلمٍ»: أخبرني عطاءٌ (قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ ) حال كونه (يُخْبِرُنَا) وحال كونه (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ) ولأبي الوقت: ”قال النَّبيُّ“ ( صلعم : لِامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ) هي أمُّ سنان؛ كما عند المصنِّف [خ¦1863] و«صحيح مسلمٍ» في «باب حجِّ النِّساء» (سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ) قال ابن جريجٍ: (فَنَسِيتُ اسْمَهَا) وليس النَّاسي عطاءً؛ لأنَّه سمَّاها في حديثه المرويِّ عند المؤلِّف من طريق حَبيبٍ المعلِّم عنه في «باب حج النِّساء» [خ¦1863] لكن يحتمل أن يكون عطاءٌ كان ناسيًا لاسمها لمَّا حدَّث به ابن جريجٍ، وذاكرًا له لمَّا حدَّث به حَبيبًا: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّينَ مَعَنَا؟) بإثبات نون «تحجِّين» على إهمال «أن» النَّاصبة، وهو قليلٌ، وبعضهم ينقل: أنَّها لغةٌ لبعض العرب، ولأبي ذرٍّ وابن عساكر: ”أن تحجِّي“ بحذفها، على إعمال «أن»، وهو المشهور (قَالَتْ) أي(1): أمُّ سنانٍ: (كَانَ لَنَا نَاضِحٌ) بالنُّون والضَّاد المعجمة المكسورة / وبالحاء المهملة: البعير الذي يُستقَى عليه (فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ _لِزَوْجِهَا) أبي سنانٍ (وَابْنِهَا_) سنانٍ، وفي «النَّسائيِّ» و«الطَّبرانيِّ» في قصَّةٍ تشبه هذه: اسمها أمُّ معقلٍ زينب، وزوجها أبو معقلٍ الهيثم، ووقع مثله لأمِّ طليقٍ وأبي طليقٍ عند ابن أبي شيبة(2) وابن السَّكن، وعند ابن حبَّان في «صحيحه»: قالت أمُّ سليمٍ: حَجَّ أبو طلحة وابنه وتركاني، ونحوه عند ابن أبي شيبة من وجهٍ آخر عن عطاءٍ، والابن المذكور: الظَّاهر أنَّه أنسٌ لأنَّ أبا طلحة لم يكن له ابنٌ كبيرٌ يحجُّ، فيكون المراد بالابن أنسًا مجازًا، ويؤيِّد ذلك: أنَّ في حديث البخاريِّ أنَّها من الأنصار، وليست أمُّ معقلٍ أنصاريَّةً، بل وفي «سنن أبي داود»‼: أنَّ أبا معقلٍ لم يحجَّ معهم، بل تأخَّر لمرضه فمات، وأمَّا أمُّ سنانٍ فهي أنصاريَّةٌ أيضًا، وبالجملة فيحتمل أنَّها وقائع متعدِّدةٌ لمن ذكر هنا، والضَّمير في قوله: «لزوجها وابنها» للمرأة المذكورة من الأنصار، ولـ «مسلمٍ»: ناضحان كانا لأبي فلانٍ زوجها، حجَّ هو وابنه على أحدهما.
          (وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ) بفتح الضَّاد في الفرع وغيره، وضبطه الحافظ ابن حجرٍ والعينيُّ: بالكسر، كالنَّوويِّ في «شرح مسلمٍ» (قَالَ) صلعم : (فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ) بالرَّفع على أنَّ «كان» تامَّةٌ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فإذا كان في رمضان“ (اعْتَمِرِي) وفي نسخةٍ: ”فاعتمري“ (فِيهِ؛ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ، أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ) وللمُستملي: ”أو نحوًا من ذلك“ (3)، وسقط في رواية ابن عساكر قوله: «ممَّا قال»، و«حجَّةٌ»: بالرَّفع خبر «إنَّ» أي: كحجَّةٍ في الفضل، ولـ «مسلمٍ»: فإنَّ عمرةً فيه تعدل حجَّةً، ولعلَّ هذا هو السَّبب في قول المؤلِّف: «أو نحوًا ممَّا قال»، وقال المظهريُّ في قوله: «تعدل حجَّةً» أي: تقابل وتماثل في الثَّواب؛ لأنَّ الثَّواب يفضل بفضيلة الوقت، وقال الطِّيبيُّ: هذا من باب المبالغة وإلحاق النَّاقص بالكامل ترغيبًا وبعثًا عليه، وإلَّا كيف يعدل ثواب العمرة ثواب الحجِّ، قال ابن خزيمة ☼ : إنَّ الشَّيء يُشَبَّه بالشَّيء ويُجْعَل عِدْلَه إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها؛ لأنَّ العمرة لا يُقضَى بها فرض الحجِّ ولا النَّذر. انتهى. وقول الزَّركشيِّ كابن بطَّالٍ: إنَّ الحجَّ الذي ندبها إليه كان تطوُّعًا لأنَّ العمرة لا تجزئ عن(4) حجَّة الفريضة، ردَّه ابن المُنيِّر فقال: هو وهمٌ من ابن بطَّالٍ لأنَّ حجَّة الوداع أوَّل حجٍّ أُقيم في الإسلام، وقد تقدَّم أنَّ حجَّ أبي بكرٍ كان إنذارًا ولم يكن فرض الإسلام، قال: فعلى هذا يستحيل أن تكون تلك المرأة كانت قامت بوظيفة الحجِّ بعد لأنَّ أوَّل حجٍّ لم تحضره هي، ولم يأت زمان حجٍّ ثانٍ عند قوله ╕ لها ذلك، وما جاء(5) الحجُّ الثَّاني إلَّا والرَّسول ╕ قد تُوفِّي، فإنَّما أراد ╕ أن يستحثَّها على استدراك ما فاتها من البدار، ولا سيَّما الحجُّ معه ╕ لأنَّ فيه مزيَّةً على غيره. انتهى. وتعقَّبه الحافظ(6) ابن حجرٍ فقال: وما قاله غير مسلمٍ؛ إذ لا مانع أن تكون حجَّت مع أبي بكرٍ، فسقط عنها الفرض بذلك، لكنَّه بُنِي على أنَّ الحجَّ إنَّما فُرِض في السَّنة العاشرة حتَّى يسلم ممَّا يرد على مذهبه من القول: بأنَّ الحجَّ على الفور، وقال ابن التِّين: يحتمل أن يكون قوله: «حجَّةٌ» على بابه، ويحتمل أن يكون لبركة رمضان، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بهذه المرأة. انتهى. وفي رواية أحمد بن منيعٍ: قال سعيد بن جبيرٍ: ولا نعلم هذا إلَّا لهذه المرأة وحدها، وقال ابن الجوزيِّ: فيه أنَّ ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت؛ كما يزيد بحضور القلب وخلوص القصد. انتهى. وقال غيره‼: لمَّا ثبت أنَّ عُمَرَهُ صلعم كانت كلُّها في ذي القعدة، وقع تردُّدٌ لبعض أهل(7) العلم في أنَّ أفضل أوقات العمرة أشهر الحجِّ أو رمضان، ففي رمضان ما تقدَّم ممَّا يدلُّ على الأفضليَّة، لكن فعله ╕ لمَّا لم يقع إلَّا في أشهر الحجِّ كان ظاهرًا أنَّه أفضل إذ لم يكن الله سبحانه وتعالى يختار لنبيِّه إلَّا ما هو الأفضل، أو أنَّ رمضان أفضل؛ لتنصيصه ╕ على ذلك، فَتَركه لاقترانه بأمرٍ يخصُّه؛ كاشتغاله بعباداتٍ أخرى في رمضان تبتُّلًا، وألَّا يشقَّ على أمَّته؛ فإنَّه لو اعتمر فيه لخرجوا معه ولقد كان بهم رؤوفًا رحيمًا، وقد أخبر في بعض العبادات أنَّه تركها لئلَّا يشقَّ على أمَّته مع محبَّته لذلك؛ كالقيام في رمضان بهم، ومحبَّته لأن يستقي بنفسه مع سقاة زمزم كيلا(8) يغلبهم النَّاس على سقايتهم، والذي يظهر: أنَّ العمرة في رمضان لغيره ╕ أفضل، وأمَّا في حقِّه هو(9) / فلا، فالأفضل ما صنعه لأنَّ فعله لبيان(10) جواز ما كان(11) أهل الجاهليَّة يمنعونه، فأراد الرَّدَّ عليهم بالقول والفعل، وهو لو(12) كان مكروهًا لغيره(13) لكان(14) في حقِّه أفضل، والله أعلم.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ والنَّسائيُّ في «الحجِّ».


[1] «أي»: ليس في (د).
[2] حديث أم معقل هو الذي في «مصنف» بن أبي شيبة (771)، وحديث أم طليق هو الذي في ابن السكن وانظر «الفتح».
[3] عزاها في اليونينية إلى رواية ابن عساكر.
[4] في (ص) و(م): «من».
[5] في (د): «جاءه».
[6] «الحافظ»: ليس في (ب) و(د).
[7] في (د): «تردُّدٌ لأهل».
[8] في (د): «لئلَّا».
[9] «هو»: ليس في (د).
[10] في (ب): «لبيانه».
[11] زيد في (ص) و(م): «عليه».
[12] «لو»: ليس في (م).
[13] في (م): «كغيره».
[14] في (ب) و(س): «لكنَّه».