إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا

          1117- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو عبد الله (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن المبارك (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (الحُسَيْنُ المُكْتِبُ) بضمِّ الميم وإسكان الكاف وكسر المثنَّاة الفوقيَّة مخفَّفة، وقيل: بتشديدها مع فتح الكاف، وهي رواية أبي ذرٍّ كما في «الفرع» و«أصله»‼ وهو ابن ذكوان المعلِّمُ الَّذي يُعلِّم الصِّبيان الكتابة (عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ☺ ) أنه(1) (قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلعم عَنِ الصَّلَاةِ) أي: عن(2) صلاة المريض كما رواه التِّرمذيُّ، ودلَّ عليه قوله في أوَّله: «وكانت بي بواسير» (فَقَالَ) ╕ : (صَلِّ) حال كونك (قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ) بأن وجدتَ مشقَّةً شديدةً بالقيام، أو خوفَ زيادة مرضٍ أو هلاكٍ أو غرقٍ ودوران رأسٍ لراكب سفينةٍ (فَقَاعِدًا) أي: فصلِّ حال كونك قاعدًا كيف شئت. نعم قعودُه مفترشًا أفضل لأنَّه قعودٌ(3) لا يعقبه سلامٌ كالقعود للتَّشهُّد الأوَّل، والإقعاء _وهو أن يجلس على وركيه وينصب فخذيه، وزاد أبو عبيدة: ويضع يديه على الأرض_ مكروه للنَّهي عنه في الصَّلاة كما رواه الحاكم وقال: صحيحٌ على شرط البخاريِّ (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ) أي: القعود للمشقَّة المذكورة (فَعَلَى) أي: فصلِّ على (جَنْبٍ) _وجوبًا_ مستقبل(4) القبلة بوجهك، رواه الدَّارقُطنيُّ من حديث عليٍّ، واضطجاعه على الأيمن أفضل، ويُكره على الأيسر بلا عذر كما جزم به في «المجموع»، وزاد النَّسائيُّ: «فإن لم تستطع فمستلقيًا» أي: وأخمصاه للقبلة، ورأسه أرفع بأن تُرفع وسادته(5) ليتوجَّه بوجهه للقبلة(6)، لكن هذا كما قاله في «المهمَّات» في غير الكعبة، أمَّا فيها فالمتَّجه جواز الاستلقاء على ظهره وعلى وجهه لأنَّه كيفما توجَّه متوجِّهٌ لجزءٍ منها، ويركع ويسجد بقدر إمكانه، فإن قدر المصلِّي على الرُّكوع فقط كرَّره للسُّجود، ومن قدر على زيادةٍ على أكمل الرُّكوع تعيَّنت تلك الزِّيادة للسُّجود لأنَّ الفرق بينهما واجبٌ على المتمكِّن، ولو عجز عن السُّجود إلَّا أن يسجد بمقدَّم(7) رأسه أو صدغه، وكان بذلك أقرب إلى أرضٍ، وجب لأنَّ الميسور لا يسقط بالمعسور، فإن عجز عن ذلك أيضًا أومأ برأسه، والسُّجود أخفض من الرُّكوع، فإن عجز عن إيمائه(8) فببصره، فإن عجز عن الإيماء ببصره إلى أفعالِ الصَّلاة أجراها على قلبه بسُنَنِها ولا إعادة عليه، ولا تسقط عنه الصَّلاة وعقلُه ثابتٌ / لوجود مناط(9) التَّكليف. وهذا التَّرتيب قال به معظم الشَّافعيَّة لقوله ╕ : «إذا أمرتكم بأمرٍ فائتوا منه ما استطعتم» هكذا استدلَّ به الغزاليُّ، وتعقَّبه الرَّافعيُّ بأنَّ الخبر أمرٌ بالإتيان بما يشتمل عليه المأمور، والقعود لا يشتمل على القيام، وكذا ما بعده...، إلى آخر ما ذكر(10)، وأجاب عنه ابن الصَّلاح بأنَّا لا نقول: إنَّ الآتي بالقعود آتٍ بما استطاعه من القيام مثلًا، ولكنَّا نقول: يكون آتيًا(11) بما استطاعه من الصَّلاة لأنَّ المذكورات أنواعٌ لجنس الصَّلاة بعضُها أدنى من بعض، فإذا عجز عن الأعلى وأتى بالأدنى كان آتيًا بما استطاع من الصَّلاة، وتُعقِّب بأنَّ كون هذه المذكورات من الصَّلاة فرعٌ لشرعيَّة(12) الصَّلاة بها، وهو محلُّ النِّزاع. انتهى. واستدلَّ بقوله في حديث‼ النَّسائيِّ: «فإن لم تستطع فمستلقيًا...» أنَّه لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالةٍ أخرى كالإشارة...، إلى آخر ما مرَّ، وهو قول الحنفيَّة والمالكيَّة وبعض الشَّافعيَّة.


[1] «أنه»: مثبتٌ من (ص).
[2] «عن»: مثبتٌ من (ص) و(م).
[3] في (ب): «لأنَّ قعوده».
[4] في (م): «تستقبل».
[5] في (ب): «وسادة».
[6] في (ص) و(م): «القبلة»، وزيد في (د): «إلى».
[7] في (م): «مقدم».
[8] زيد في (د): «برأسه».
[9] في (م): «ضابط».
[10] في غير (ص) و(م): «ذكره».
[11] في (ص): «إتيانًا».
[12] في (د): «لمشروعيَّة».