إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب في كم يقصر الصلاة؟

          ░4▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين (فِي كَمْ يَقْصُرُ) المصلِّي (الصَّلَاةَ؟) بفتحِ المُثنَّاة التَّحتيَّة وسكون القاف وضمِّ الصَّاد، ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”تُقصَرُ الصَّلاة“ بضمِّ المثنَّاة الفوقيَّة وسكون(1) القاف والصَّاد المفتوحة المخفَّفة، وللأَصيليِّ: ”تُقَصَّر الصَّلاة“ بضمِّ الفوقيَّة وفتح القاف والصَّاد المشدَّدة مبنيًّا للمفعول فيهما، و«الصَّلاة» رفع نائبٍ عنه فيهما أيضًا (وَسَمَّى النَّبِيُّ صلعم ) في حديث هذا الباب (يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا) وللأربعة(2) وعزاها في «الفتح» لأبي ذرٍّ فقط‼: ”السَّفر يومًا وليلة“ أي: وسَمَّى مدَّة اليوم واللَّيلة سفرًا (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ) بن الخطَّاب (وَابْنُ عَبَّاسٍ ♥ ) ممَّا وصله البيهقيُّ بسندٍ صحيحٍ (يَقْصُرَانِ) بضمِّ الصَّاد (وَيُفْطِرَانِ) بضمِّ أوله وكسر الطَّاء (فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) بضمِّ الموحَّدة والرَّاء وقد(3) تُسَكَّن(4)، ذهابًا غير الإياب، ومثله إنَّما يُفعلُ عن توقيفٍ، فلو قصد مكانًا على مَرحلةٍ بنيَّة ألَّا يُقِيْمَ فيه فلا قَصْرَ له ذهابًا ولا إيابًا وإن نالته مشقَّة مرحلتين متواليتين لِمَا روى الشافعيُّ بسندٍ صحيحٍ عن ابن عبَّاس أنَّه سُئِلَ: «أتُقْصَرُ الصَّلاةُ إلى عرفة؟ فقال: لا، ولكن إلى عُسْفان وإلى جدَّة وإلى الطائف»، فقدَّرها بالذهاب وحده، وقد روي عنه(5) مرفوعًا بلفظ: «يا أهلَ مكَّة لا تقصروا الصَّلاة في أدنى من أربعة بُرُدٍ، من مكَّة إلى عُسْفَان» رواه الدَّارقُطني وابن أبي شيبة، لكنْ في إسناده ضعفٌ من أجل عبد الوهَّاب بن مجاهد.
          قال البخاريُّ: (وَهْيَ) أي: الأربعةُ بُرُدٍ (سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا) يقينًا أو ظنًّا ولو باجتهادٍ؛ إذ كلُّ بريدٍ أربعة فَراسخ، وكلُّ فرسخٍ ثلاثة أميالٍ، فهي ثمانيةٌ وأربعون مِيْلًا هاشميَّة، نسبةً لبني هاشمٍ لتقديرهم لها وقت خِلافتهم بعد تقدير بني أُمَيَّة، لا هاشمَ نفسه كما وقع للرَّافعي، والميل من الأرض: مُنْتَهَى مَدِّ البصر لأنَّ البصر يميلُ عنه إلى(6) وجه الأرض حتَّى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهريُّ، وقيل: أن ينظر إلى الشَّخص في أرضٍ مُسَطَّحةٍ فلا يدري أهو رجلٌ أو امرأةٌ؟ أو هو ذاهبٌ أو آتٍ؟ وهو أربعة آلاف خطوةٍ، والخطوة: ثلاثة أقدامٍ، فهو اثنا عشر ألف قدمٍ، وبالذِّراع ستَّة آلاف، والذِّراع: أربعة وعشرون إصبعًا معترضاتٍ، والإصبع: ستُّ شَعَراتٍ معتدلات معترضات، والشُّعيرة: ستُّ شُعيراتٍ من شَعرِ البِرْذَونِ، وقد حَرَّرَ بعضهم الذِّراع المذكور بذراع الحديد المستعمل الآن بمصر والحجاز في هذه الأعصار، فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثُّمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور: خمسة آلاف ذراع ومئتان وخمسون ذراعًا. انتهى. فمسافة القصر بالبرد: أربعةٌ، وبالفراسخ: ستَّة عشر، وبالأميال: ثمانية وأربعون، وبالأقدام: خمس مئة ألفٍ وستَّة وسبعون ألفًا، وبالأذرع: مئتا ألفٍ وثمانية / وثمانون ألفًا، وبالأصابع: ستَّة آلاف ألفٍ وتسع مئة ألفٍ واثنا عشر ألفًا، وبالشُّعيرات: أحد وأربعون ألف ألف حبَّة(7)، وأربع مئة ألف واثنان وسبعون ألفًا، وبالشَّعرات: مئتا ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمان مئة ألفٍ واثنان وثلاثون ألفًا، وبالزَّمن: يومٌ وليلةٌ، مع المعتاد من النُّزول والاستراحة والأكل والصَّلاة ونحوها، وعن ابن عبَّاس قال: «تُقْصَرُ الصَّلاة في مسيرة‼ يومٍ وليلةٍ» رواه ابن أبي شَيبة بإسنادٍ صحيح، وذلك مرحلتان بسير الأثقال ودبيب الأقدام، وضبطُها بذلك تحديدٌ لثبوت تقديرها بالأميال عن الصحابة كما مرَّ، ولأنَّ القصر والجمع على خلاف الأصل فيحتاط فيه بتحقيق تقدير المسافة، بخلاف تقدير القُلَّتَيْنِ ونحوهما، والبَرُّ كالبَحر(8)، فلو قطع المسافة فيه في ساعةٍ قَصَرَ. انتهى. ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”وهو ستَّة عشر“ بالتَّذكير، بدل: «وهي»، وسقط ذلك كلّه إلى آخر قوله: «فرسخًا» لابن عساكر.


[1] في غير (د) و(ص): «فتح»، والمثبت موافق لـ «اليونينيَّة».
[2] كتب فوقها في (ص): «ص س5 ط».
[3] «وقد»: ليس في (د).
[4] قوله: «بضمِّ الموحَّدة والرَّاء وقد تُسَكَّن»، سقط من (م)، ووقع في (ص) بعد لفظ: «الإياب».
[5] «عنه»: سقط من (د) و(م)، وفي (ص) وقع بعد لفظ «مرفوعًا».
[6] في غير(م): «على».
[7] «حبَّة»: ليس في (م).
[8] في (د): «ونحوها البرُّ والبحر».