إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من رآني في المنام فقد رآني

          6994- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ) العَمِّيُّ _بفتح المهملة وتشديد الميم_ أبو الهيثم البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ) الدَّبَّاغ البصريُّ مولى حفصة بنت سيرين، قال: (حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُنَانِيُّ) بضم الموحدة (عَنْ أَنَسٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم : مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي) قال الكِرْمانيُّ: فإن قلتَ: الشَّرط والجزاء متَّحدان فما معناه؟ وأجابَ بأنَّه في معنى الإخبار، أي: مَن رآني فأخبرهُ بأنَّ رؤيتَه حقٌّ ليستْ من أضغاثِ الأحلامِ(1). وقال في «شرح المشكاة»: أي: مَن رَآني فقد رَأى حقيقتِي على كَمَالها لا شبهَةَ ولا ارتيابَ(2) فيما رأى (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَخَيَّلُ(3) بِي) فإن قيل: كيف يكونُ ذلك وهو في المدينة، والرَّائي في المشرقِ أو المغربِ؟ أُجيب بأنَّ الرُّؤية أمرٌ يخلقُه الله تعالى، ولا يُشترط فيها عقلًا مواجهةٌ، ولا مقابلةٌ، ولا مقارنةٌ، ولا خروجُ شعاعٍ ولا غيرُه، ولذا جازَ أن يرى أَعمى الصين(4) بقَّه أندلس. فإن قلتَ: كثيرًا يُرى على(5) خلاف صورتهِ / المعروفة، ويراهُ شخصان في حالةٍ واحدةٍ في مَكانين، والجسمُ الواحد لا يكون‼ إلَّا في مكانٍ واحدٍ. أُجيب بأنَّه يعتبر في صفاتهِ لا في ذاتهِ، فتكون ذاته ╕ مرئيَّةً وصفاته متخيَّلة غير مرئيَّةٍ، فالإدراك لا يشترط فيه تحديقُ الأبصار، ولا قربُ المسافة، فلا يكون المرئيُّ مدفونًا في الأرضِ ولا ظاهرًا عليها، وإنَّما يشترطُ كونه موجودًا، ولو رآهُ يأمرُ بقتلِ من يحرمُ قتلُه كانَ(6) هذا من صفاتهِ(7) المتخيَّلة لا المرئيَّة (وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) لأنَّها من الله تعالى، بخلافِ الَّتي من الشَّيطان فإنَّها ليستْ من أجزاءِ النُّبوَّة، وفيه مباحث سبقتْ قريبًا، وسقطَتِ الواو من قولهِ «ورؤيا» لأبي ذرٍّ.


[1] في (د): «أحلام».
[2] في (د): «ولا شك».
[3] في (ع) و(ب) و(د): «يتمثل».
[4] في (د) و(ص): «العين»، والبَقَّة: البعوضة، انظر شرح المواقف للجرجاني(8/139).
[5] «على»: ليست في (د) وفي الهامش: في نسخة: «يرى على خلاف».
[6] في (د): «لأن».
[7] في (ع) و(ص): «صفات»، وفي (د): «من صفات».