إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب رؤيا الصالحين

          ░2▒ (باب رُؤْيَا الصَّالِحِينَ) والإضافة للفاعل، وفي نسخة: ”الصَّالحة“ وعليها يحتملُ أن تكون الرُّؤيا بالتَّعريف (وَقولِهِ) بالجرِّ عطفًا على السَّابق، ولأبي ذرٍّ: ”وقولِ الله“ (تَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا}) أي: صدَّقه في رؤياه ولم يكذِّبه، تعالى الله عن الكذبِ وعن كلِّ قبيحٍ علوًّا كبيرًا. وقال في «فتوح الغيب»: هذا صدق بالفعلِ وهو التَّحقيق، أي: حقَّق(1) رؤيتَه، وحذفَ الجارّ وأوصلَ الفعل، كقولهِ: {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ}[الأحزاب:23] ({بِالْحَقِّ}) متلبِّسًا(2) به، فإنَّ ما رآه كائنٌ لا محالةَ في وقته المقدَّر له وهو العام القابل، ويجوز أن يكون {بِالْحَقِّ} صفة مصدرٍ محذوفٍ، أي: صدقًا متلبِّسًا بالحقِّ، وهو القصدُ إلى التَّمييز بين المؤمن المخلص وبين من في قلبهِ مرضٌ، وأن يكون قسمًا إمَّا بالحقِّ الَّذي هو نقيضُ‼ الباطل، أو بالحقِّ الَّذي هو من أسمائهِ، وجوابُه ({لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}) وعلى الأوَّل هو جواب قسمٍ محذوفٍ ({إِن شَاء اللهُ}) حكايةٌ من الله تعالى قولَ رسولهِ لأصحابهِ، وقصَّه(3) عليهم، أو تعليمٌ لعباده أن يقولوا(4) في غَداتهم مثل ذلك متأدِّبين بأدبِ الله، ومقتدين بسنَّته ({آمِنِينَ}) حال والشَّرط معترض ({مُحَلِّقِينَ}) حالٌ من الضَّمير في {آمِنِينَ} ({رُؤُوسَكُمْ}) أي: جميع شُعورها ({وَمُقَصِّرِينَ}) بعض شُعورها ({لَا تَخَافُونَ}) حال مؤكِّدة ({فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا}) من الحكمةِ في تأخير فتح مكَّة إلى العام القابلِ ({فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ}) من دون فتح مكَّة ({فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح:27]) وهو فتحُ خيبرَ لتستروحَ إليه قلوبُ المؤمنين إلى أن يتيسَّر الفتحُ الموعود، وتحقَّقت الرُّؤيا في العام القابلِ. وقد روي أنَّه صلعم أُري(5) وهو بالحديبية أنَّه دخلَ مكَّة هو(6) وأصحابه محلِّقين، فلمَّا نحرَ الهدي بالحديبية قال أصحابه: أين رُؤياك؟ فنزلتْ. رواه الفِريابيُّ وعبدُ بن حُميد والطَّبريُّ من طريق ابنِ أبي نجيحٍ، وسَقَط لأبي ذرٍّ في روايتهِ «{مُحَلِّقِينَ}...» إلى آخرها، وقال بعد قولهِ: {آمِنِينَ}: ”إلى قولهِ: {فَتْحًا قَرِيبًا}“.


[1] في (د) و(ع): «تحقيق».
[2] في (ع) و(ص) هنا والمكان التالي: «ملتبسًا».
[3] في (ص) و(ع): «قصته».
[4] في (ل): «يقول».
[5] في (د): «رأى».
[6] «هو»: ليست في (ص) و(ع).