إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب رؤيا إبراهيم

          ░7▒ (باب) بيان (رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ) الخليل ( ◙ ) وسقط لغير أبي ذرٍّ لفظ «باب» (وَقَوْلُهُ تَعَالَى) رفعٌ، وسقطَتْ الواو في الفرع، وثبتتَ في أصله: ({فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}) بلغَ أن يَسعى مع أبيهِ في أشغالهِ وحوائجهِ، و«معه» لا تتعلَّق ببلغَ؛ لاقتضائهِ بلوغهما معًا حدَّ السَّعي، ولا بالسَّعي؛ لأنَّ صلة المصدرِ لا تتقدَّم عليه، فبقِي(1) أن يكون بيانًا، كأنَّه قال(2) لما قال: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ (3) السَّعْيَ}، أي: الحدَّ الَّذي يقدرُ فيه على السَّعي. قيل: مع مَن؟ قال: مع أبيه. وكانَ إذ ذاك ابن ثلاثَ عشرة سنةً، والمعنى في اختصاصِ الأب: أنَّه أرفقُ النَّاس به وأعطفُهم عليه، وغيره ربَّما عنَّف به في الاستسعاءِ فلا يحتملُه؛ لأنَّه لم يستحكمْ قوَّته ({قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى}) أي: إنِّي رأيتُ ({فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}) ورؤيا الأنبياءِ في المنامِ وحيٌ. رواه ابن أبي حاتمٍ عن ابن عبَّاس مرفوعًا، أي: كالوحي في اليقظةِ، فلهذا قال: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} ({فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}) من الرَّأي على وجه المشاورةِ لا من رؤية العين، وإنَّما شاورهُ ليأنسَ للذَّبح وينقادَ للأمر به ({قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}) به ({سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}) على الذَّبح، أو على قضاءِ الله به ({فَلَمَّا أَسْلَمَا}) خضعَا وانقادا لأمرِ الله سبحانه وتعالى، أو أسلما الذَّبيح نفسَه وإبراهيم ابنَه(4) ({وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}) صرعَه عليه ليذبحَهُ من قَفاه ولا يشاهد وجهَهُ عند ذَبحه؛ ليكون أهونَ عليه، ووضعَ السِّكِّين على قفاه فانقلب(5) السِّكِّين ولم تعملْ شيئًا بمانعٍ من القدرة الإلهيَّة ({وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}) أي: حقَّقت ما أمرناكَ به في المنامِ من تسليمِ الولدِ للذَّبح، وجوابِ «لمَّا» محذوفٌ تقديره: كان ما كان ممَّا ينطق به الحالُ، ولا يحيطُ به الوصفُ(6) من استبشارهمَا وحمدهمَا لله وشُكرهما على ما أنعمَ به عليهمَا من دفعِ البلاءِ العظيمِ بعد حلولهِ ({إِنَّا كَذَلِكَ}) أي(7): كما جزيناك ({نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:102_105]) لأنفسهم بامتثالِ الأمر بإفراجِ الشِّدَّة عنهم.
          (قَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصله الفِريابيُّ في «تفسيره» في قولهِ تعالى: ({أَسْلَمَا}) أي: (سَلَّمَا‼ مَا أُمِرَا بِهِ) سلَّم الابنُ نفسَه للذَّبحِ والأبُ ابنه ({وَتَلَّهُ}) أي: (وَضَعَ وَجْهَهُ بِالأَرْضِ) لأنَّه قال له: يا أبتِ لا تَذبحني وأنت تنظرُ في وجهِي؛ لئلَّا ترحمني.
          ولم يذكر البخاريُّ ☼ هنا حديثًا كالتَّرجمة الَّتي قبلُ، بل اكتفى فيهمَا بما أوردهُ من الآيات القرآنيَّة، ولعلَّه لم يتَّفق له حديثٌ فيهما(8) على شرطهِ.


[1] في (ص): «فنفي».
[2] «قال»: ليست في (د).
[3] «معه»: ضرب عليها في (د).
[4] في (ص): «نفسه».
[5] في (ص): «فانفلت»، وفي (د): «فانقلبت».
[6] في (ع): «الوقت».
[7] «أي»: ليست في (د).
[8] في (ع): «فيها».