إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب عمود الفسطاط تحت وسادته

          ░24▒ (باب) رؤية (عَمُودِ الفُـِسْطَاطِ) بضم الفاء وتكسر وسكون المهملة بعدها طاءان مهملتان بينهما ألف، وقد تبدل الطاء الأخيرة سينًا مهملةً، وقد تبدل الطاء تاء(1) مثنَّاة فوقيَّة فيهما(2) وفي إحدَاهما(3)، وقد تدغمُ التاء الأولى في السين المهملة وبالسين(4) المهملة في آخره لغات تبلغ على هذا اثنتي عشرة، وهو _كما قال الجواليقيُّ_: فارسيٌّ معرَّب، وهو الخيمة العظيمةُ، والعَمود بفتح أوَّله (تَحْتَ وِسَادَتِهِ) في المنام. وعند النَّسَفيِّ: ”عند“ بدل: ”تحت“، ولم يذكر هنا حديثًا، ولعلَّه أشار بهذه التَّرجمة إلى ما أخرجَه يعقوبُ بن سفيان، والطَّبرانيُّ والحاكمُ وصحَّحه(5) من حديث عبد الله بن عَمرو بن العاصي سمعتُ رسول الله صلعم يقول: «بينا أنا نائمٌ رأيتُ عَمود الكتابِ احتُمل من تحتِ رأسي، فأتبعتُهُ بصرِي فإذا هو قد عُمِد به إلى الشأمِ، ألا وإن الإيمانَ حين تقع الفتنُ بالشأم»، وزاد يعقوب والطَّبرانيُّ من حديث أبي أمامة بعد قوله: بصري: «فإذا هو نورٌ ساطعٌ حتَّى ظننتُ أنَّه قد هوى به، فعُمِد به إلى الشأم، وإني أوَّلت أنَّ الفتنَ إذا وقعتْ أنَّ الإيمانَ بالشأم» وسنده ضعيفٌ، وعند(6) أبي الدَّرداء عن النَّبيِّ صلعم قال: «بينا أنا نائمٌ رأيتُ عمودَ الكتابِ احتُمل من تحتِ رأسِي، فظننْتُ(7) أنَّه مَذْهوب به، فأتبعتُهُ بصرِي فعُمِد به إلى الشأمِ». رواه أحمدُ ويعقوبُ والطَّبرانيُّ بسندٍ صحيحٍ.
          وهذا الحديث _كما قال في «الفتح»_: أقربُ إلى شرطِ البخاريِّ؛ لأنَّه أخرج لرواتهِ إلَّا أنَّ فيه اختلافًا على يحيى بنِ حمزة في شيخهِ هل هو ثور بن يزيد(8)، أو زيد بن واقد؟ وهو غيرُ قادحٍ؛ لأنَّ كلًّا منهما ثقةٌ من شرطه، فلعلَّه كتب التَّرجمة وبيَّض للحديثِ‼ فاخترمتهُ المنيَّة، وعن عبد الله بن حَوَالة: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «رأيتُ ليلةَ أُسري بي عَمودًا أبيضَ كأنَّه لواءٌ تحملُه الملائكةُ فقلتُ: ما تحملون؟ قالوا: عَمود الكتابِ أمرنا أن نضعَهُ بالشَّأم». قال: «وبينَا أنا نائمٌ رأيتُ عمودَ الكتابِ اختُلِس من تحتِ وِسَادتي، فظننتُ أنَّ الله تجلَّى على(9) أهلِ الأرض، فأتبعتُه بصرِي فإذا هو نورٌ ساطعٌ حتَّى وضِعَ بالشَّأم».
          وللحديثِ طرقٌ أُخرى(10) يقوِّي بعضها بعضًا، وعَمود الكتابِ: عمود الدِّين. وقال المعبِّرون: مَن رأى في منامهِ عمودًا، فإنَّه يعبر بالدِّين، وأمَّا الفُسطاط فمن رأى أنَّه ضرب عليه فسطاط، فإنَّه ينال سلطانًا بقدَرِه، أو يخاصِمُ ملِكًا فيظفرُ.


[1] في (ع) و(د): «تبدلان».
[2] «فيهما»: ليست في (ع) و(د).
[3] في (ع) و(ص) و(د): «أحدهما».
[4] في (ص): «السين».
[5] «وصححه»: ليست في (د).
[6] في (د): «عن».
[7] في (ع): «ظننت».
[8] «يزيد»: ليست في (د).
[9] هكذا في الأصول، والذي في «مسند الشاميين» و«الفتح»: (تخلى عن).
[10] في (د): «أخر».