إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ألا تقولوه: يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله

          6938- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو: لقبُ عبد الله بنِ عثمان بنِ جبلة المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا(1) عَبْدُ اللهِ) بنُ المبارك المروزيُّ قال(2): (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة، ابنُ راشد الأزديُّ مولاهم، أبو عروة البصريُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بنِ مسلمٍ أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ) بفتح الراء وكسر الموحدة، الخزرجيُّ الصَّحابيُّ الصَّغير، وجلُّ روايته عن الصَّحابة (قَالَ: سَمِعْتُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”سمع“ (عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ) بكسر العين وسكون الفوقية، ابنِ عجلانَ الأنصاريَّ الصَّحابيَّ (يَقُولُ: غَدَا عَلَيَّ) بتشديد التحتية (رَسُولُ اللهِ صلعم ) فيه حذف ذكره في «بابِ المساجد في البيوت» من طريقِ عقيل عن / الزُّهريِّ، بلفظ: أنَّه _أي: عِتْبان_ أتى رسولَ الله صلعم فقال: يا رسول الله قد أنكرتُ بصرِي، وأنا أُصلِّي لقومي، فإذا كانت الأمطارُ سال(3) الوادي الَّذي بيني وبينهُم لم أستطعْ أن آتي مسجدهُم فأُصلِّي بهم، ووددتُ يا رسولَ الله أنَّك تأتيني فتصلِّي في بيتي فأتَّخذه مصلَّى. قال: فقال له رسولُ الله صلعم : «سأفعلُ إن شاء الله» قال عِتْبان: فغدا عليَّ رسول الله صلعم وأبو بكر(4) حين ارتفعَ النَّهار، فاستأذن رسولُ الله صلعم فأذنت له، فلم يجلسْ حين دخل البيت، ثمَّ قال: «أين تحبُّ أن أصلِّي من بيتكَ؟» قال: فأشرتُ له إلى ناحيةٍ من البيت‼ فقام رسول الله صلعم فكبَّر، فقمنا فصففنا فصلَّى ركعتين ثمَّ سلَّم قال: وحبسناهُ على خَزِيرة(5) صنعناها له. قال: فثابَ في البيتِ رجال من أهلِ الدَّار ذوو عددٍ فاجتمعوا [خ¦425] (فَقَالَ رَجُلٌ) منهم(6) لم يُسمَّ: (أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟) بضم الدال المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمتين آخره نون (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا) قيل: هو عِتْبانُ بن مالك الرَّاوي: (ذَلِكَ) باللام، ولأبي ذرٍّ بإسقاطها، أي: ابن الدُّخْشُن (مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَلَا) بتخفيف اللام بعد الهمزة المفتوحةِ (تَقُولُوهُ) تظنُّوه (يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ) والقول بمعنى الظَّنِّ كثير، أنشد سيبويه:
أمَّا الرَّحِيْلُ فَدُونَ بَعْدَ غَدِ                     فَمَتَى تَقُولُ الدَّارُ تَجْمَعُنَا
يعني: فمتى تظنُّ الدَّار تجمعنَا، والبيت لعمر(7) بن أبي ربيعة المخزوميِّ، وقيل: مقتضى القياس: تقولونه بالنون، وأُجيب بأنَّه جائزٌ تخفيفًا، قالوا: حذف نون الجمع بلا ناصبٍ وجازمٍ لغة فصيحة، أو هو خطاب لواحد، والواو حَدَثت من إشباعِ(8) الضَّمَّة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”ألا تقولونَهُ“ بإثبات الهمزة قبل لا ونون الجمع، ولأبي ذرٍّ أيضًا عن الكُشمِيهنيِّ والمُستملي: ”لا“ بلفظ النَّهي ”تقولوه“ بحذف النون. قال في «الفتح»: الَّذي رأيته: «لا تقولوه»، بغير ألف أوَّله وهو موجَّه، وتفسير القول بالظَّنِّ فيه نظر، والَّذي يظهرُ أنَّه بمعنى: الرُّؤية أو السَّماع. انتهى.
          ونقل في «التَّوضيح» عن ابن بطَّال: أنَّ القولَ بمعنى الظَّنِّ كثيرٌ بشرط كونه في المخاطبِ وكونه مستقبلًا، ثمَّ أنشدَ البيت المذكور مضافًا إلى سيبويهِ، وللأَصيليِّ ممَّا في الفرع كأصله: ”إلَّا“ بإثبات الهمزة وتشديد اللَّام ”تقولوه“ بحذف النُّون.
          (قَالَ) الرَّجل المفسَّر بعِتبان فيما قيل: (بَلَى، قَالَ) صلعم : (فَإِنَّهُ لَا يُوَافِي) بكسر الفاء، وفي «اليونينيَّة» بفتحها (عَبْدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ بِهِ) أي: بالتَّوحيد (إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ) إذا أدَّى الفرائضَ واجتنبَ المناهي، أو المراد: تحريم التَّخليد جمعًا بين الأدلَّة.
          والحديث سبقَ في الباب المذكور، ومُطابقته هنا للتَّرجمة من حيث إنَّه صلعم لم يُؤاخذ القائلين في حقِّ ابن الدُّخْشن بما قالوا، بل بيَّن لهم أن إجراءَ أحكام الإسلامِ على الظَّاهر دون الباطن.


[1] في (د): «أنبأنا».
[2] في (د): «هو ابن المبارك قال».
[3] في (د) و(ع): «وسال».
[4] «أبو بكر»: ليست في (ع).
[5] في (د) و(ع): «حريرة»، وفي (ص): «جريرة».
[6] «منهم»: ليست في (د).
[7] في (د): «لعمرو».
[8] في (ص): «لإشباع».