إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من بدل دينه فاقتلوه

          6922- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ) قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ) السَّخْتِيانِيِّ (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عبَّاس أنَّه (قَالَ: أُتِيَ) بضم الهمزة وكسر الفوقيَّة (عَلِيٌّ) هو ابنُ أبي طالبٍ ( ☺ بِزَنَادِقَةٍ) بفتح الزاي، جمع: زِندِيق _بكسرها_، وهو المبطنُ للكفر المظهرُ للإسلام، كما قاله النَّوويُّ والرَّافعيُّ في «كتاب الرِّدَّة» وبابي(1) صفة الأئمَّة والفرائض، أو من لا ينتحلُ دينًا، كما قالاه(2) في اللِّعان، وصوَّبه في «المهمَّات»، وقيل: إنَّهم طائفةٌ من الرَّوافض تُدعى السَّبئيَّة ادَّعوا أنَّ عليًّا ☺ إلهٌ، وكان رئيسهم عبدُ الله بن سَبأ _بفتح السين المهملة وتخفيف الموحدة_ وكان أصلُه يهوديًا (فَأَحْرَقَهُمْ) وعند الإسماعيليِّ من حديث عكرمة: أنَّ عليًّا أُتي بقومٍ قد ارتدُّوا عن الإسلام، أو قال: بزنادقةٍ ومعهم كتبٌ لهم، فأمر بنارٍ فأنضِجتْ ورَماهم فيها (فَبَلَغَ ذَلِكَ) الإحراق (ابْنَ عَبَّاسٍ) وكان إذ ذاك أميرًا على البصرةِ من قبل عليٍّ ♥ (فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللهِ صلعم ) عن القتل بالنَّار بقولهِ: (لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ) وسقط «لا تعذِّبُوا بعذابِ الله» لغير أبي ذرٍّ، وفي حديثِ ابن مسعودٍ عند أبي داود في قصَّةٍ أخرى أنَّه: «لا يُعذِّبُ بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار»، وقول ابن عبَّاس هذا يحتملُ(3) أن يكون ممَّا سمعَه من النَّبيِّ صلعم أو من بعضِ(4) الصَّحابة (وَلَقَتَلْتُهُمْ / لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلعم : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) و«مَنْ» عامٌّ، يُخصُّ منه مَن بدَّل دينَه في الباطنِ ولم يثبتْ ذلك عليه في الظَّاهر، فإنَّه يجرِي عليه أحكامُ الظَّاهر، ويُستثنى منه من بدَّل دينه في الظَّاهر لكن مع الإكراه، واستُدلَّ به على قتلِ المرتدَّة‼ كالمرتدِّ، وخصَّه الحنفيَّة بالذَّكَر للنَّهي عن قتلِ النِّساء، وبأنَّ «من» الشَّرطيَّة لا تعمُّ المؤنَّث.
          وأُجيب بأنَّ ابن عبَّاس راوي الحديث، وقد قال بقتلِ المرتدَّة، وقتلَ أبو بكرٍ في خلافتهِ امرأةً ارتدَّت والصَّحابة مُتوافرون، فلم ينكرْ ذلك عليه أحدٌ، وفي حديث معاذٍ لمَّا بعثه النَّبيُّ صلعم قال: «وأيُّما رجلٍ ارتدَّ عن الإسلامِ فادْعُه فإن عادَ وإلَّا فاضْرِب عنقَه، وأيُّما امرأةٍ ارتدَّتْ عن الإسلامِ فادْعُها فإن عادتْ وإلَّا فاضربْ عنقها».
          قال في «الفتح»: وسندهُ حسنٌ، وهو نصٌّ في موضع النِّزاع، فيجب المصيرُ إليه، واستدلَّ به على قتلِ الزِّنديق من غيرِ استتابةٍ، وأُجيب بأنَّ في بعض طرقِ الحديث أنَّ عليًّا استتابَهُم، وقد قال الشَّافعيُّ ☼ : يُستتاب الزِّنديق، كما يستتاب المرتدُّ.
          واحتجَّ من قال بالأوَّل بأنَّ توبة الزِّنديق لا تُعرف.
          والحديث سبق في «الجهاد» [خ¦3017].


[1] في (د): «ويأتي في».
[2] في (د): «قاله».
[3] في (د): «محتمل».
[4] في (د): «أو بعض».