إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا نستعمل على عملنا من أراده

          6923- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابنُ مُسَرْهد قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيد القطَّان (عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ) بضم القاف وتشديد الراء، السَّدوسيِّ أنَّه قَالَ: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ) بضم الحاء المهملة وفتح الميم، العدويُّ، أبو نصر البصريُّ الثِّقةُ العالم قال: (حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ) بضم الموحدة وسكون الراء، عامر أو الحارث (عَنْ أَبِي مُوسَى) عبدِ الله بن قيس الأشعريِّ ☺ أنَّه (قَالَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلعم وَمَعِي رَجُلَانِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ) وفي مسلم: رجلانِ من بني عمِّي (أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِي، وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِي، وَرَسُولُ اللهِ صلعم يَسْتَاكُ، فَكِلَاهُمَا) أي: كلا الرَّجلين (سَأَلَ) بحذفِ المسؤول، ولمسلم: أمِّرْنَا على بعضِ ما ولَّاك(1) الله (فَقَالَ) صلعم : (يَا أَبَا مُوسَى _أَوْ:) قال: (يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ_) بالشَّكِّ من الرَّاوي بأيِّهما خاطبه، وعند أبي داود عن أحمدَ بن حنبل ومسدَّد كلاهما عن يحيى القطَّان بسندهِ فيه: فقال: ما تقولُ يا أبا موسى. فذكرَ ما لم يذكرهُ من القولِ في رواية البابِ (قَالَ) أبو موسى: (قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمَا) أي: داعيةَ الاستعمال (وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ العَمَلَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ) صلعم (تَحْتِ شَفَتِهِ قَلَصَتْ) بفتح القاف واللَّام المخففة والصاد المهملة، انزوَتْ أو ارتفعت (فَقَالَ) ╕ (لَنْ _أَوْ: لَا_ نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ) والشَّكُّ من الرَّاوي، وعند الإمامِ أحمد: قال: «إنَّ أخونَكُم عندنَا من يَطلبُهُ» (وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى _أَوْ:) قال: (يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ_ إِلَى اليَمَنِ) أي: عاملًا عليها (ثُمَّ أَتْبَعَهُ) بهمزة ففوقية ساكنة ثمَّ موحدة مفتوحة (مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) بالنَّصب على المفعوليَّة، أي بعثه بعده، وظاهره: أنَّه ألحقَه به بعدَ أن توجَّه، وفي نسخة‼: ”ثمَّ اتَّبَعَه“ بهمزة وصلٍ وتشديد الفوقيَّة ”معاذُ بنُ جبل“ بالرفع على الفاعليَّة (فَلَمَّا قَدِمَ) معاذٌ (عَلَيْهِ) على أبي موسى (أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً) كما هي عادتهم أنَّهم إذا أرادوا إكرامَ رجلٍ وضعوا الوسادة(2) تحتهُ مبالغةً في الإكرامِ (قَالَ: انْزِلْ) فاجلسْ على الوسادةِ (وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ) قال في «الفتح»: لم أقفْ على اسمهِ (مُوْثَقٌ) بضم الميم وسكون الواو وفتح المثلثة، مربوطٌ بقيدٍ (قَالَ) معاذٌ لأبي موسى: (مَا هَذَا) الرَّجل الموثق؟ (قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ) وعند الطَّبرانيِّ عن معاذ وأبي موسى: أنَّ النَّبيَّ صلعم أمرَهُما أن يعلِّما النَّاس، فزار معاذٌ أبا موسى فإذا عندَه رجلٌ موثقٌ بالحديدِ، فقال: يا أخِي أبُعِثتَ تُعذِّب النَّاسَ؟ إنَّما بُعثنَا نعلِّمهم دينَهم ونأمرهم بما ينفعُهم فقال: إنَّه أسلم ثمَّ كفرَ، فقال: والَّذي بعثَ محمدًا بالحقِّ لا أبرحُ حتَّى أَحْرِقهُ بالنَّار (قَالَ) أبو موسى لمعاذ: (اجْلِسْ قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ) هذا (قَضَاءُ اللهِ وَ) قضاء (رَسُولِهِ) صلعم ، أي: حكمهما أنَّ من رجع عن دينهِ وجب قتلهُ. قال معاذ ذلك (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) وعند أبي داود: أنَّهما كرَّرا القولَ، أبو موسى يقول: اجلسْ، ومعاذٌ يقول: لا أجلسُ.
          قال في «الفتح»: فعلى هذا فقوله: «ثلاثَ مرَّاتٍ» من كلام الرَّاوي لا تتمَّةَ كلامِ(3) مُعَاذ (فَأَمَرَ بِهِ) أبو موسى (فَقُتِلَ) وأخرج أبو داود من طريق / طلحةَ بنِ يحيى، وبُريد بن عبد الله كلاهُما عن أبي بُرْدة عن أبي موسى قال: قدِم عليَّ معاذٌ... فذكر الحديث، وفيه: فقال: لا أنزلُ عن دابَّتي حتَّى يُقتلَ فقُتلَ. قال أحدُهما: وكان قد استُتيبَ قبل ذلك (ثُمَّ تَذَاكَرَا) معاذٌ وأبو موسى (قِيَامَ اللَّيْلِ) وفي رواية سعيد بن أبي بُرْدة [خ¦4344] فقال: كيف تقرأ القرآن، أي: في صلاة اللَّيل؟ (فَقَالَ أَحَدُهُمَا) وهو معاذ: (أَمَّا أَنَا) بتشديد الميم (فَأَقُومُ) أصلِّي متهجِّدًا (وَأَنَامُ وَأَرْجُو) الأجرَ (فِي نَوْمَتِي) أي: لترويحِ نفسه بالنَّوم؛ ليكون أنشطَ له عند القيام (مَا) أي: الَّذي (أَرْجُو) من الأجرِ (فِي قَوْمَتِي) بفتح القاف وسكون الواو، أي: قيامي باللَّيل.
          وفي الحديث كراهة سؤال الإمارةِ، والحرص عليها، ومنع الحريصِ منها؛ لأنَّ فيه تُهْمة، و(4)يوكلُ إليها، ولا يُعان عليها، فينجرُّ إلى تضييعِ الحقوقِ لعجزه، وفيه إكرامُ الضَّيف وغير ذلك ممَّا يظهر بالتَّأمُّل.
          والحديث سبقَ مختصرًا ومطوَّلًا في «الإجارة» [خ¦2261] ويجيء إن شاء الله تعالى في الأحكام [خ¦7149] [خ¦7157] بعون الله وقوَّته.


[1] في (ع) و(د): «أولاك».
[2] في (ع) و(د): «له وسادة».
[3] في (د): «لا تتمة من كلام».
[4] في (ب): «لا».