إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك

          6257- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمامُ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ☻ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم / قَالَ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ اليَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ. فَقُلْ) في الرَّدِّ: (وَعَلَيْكَ) بالإفراد فيهما وبإثبات الواو في الثَّاني، وسقطت عند جميع رواة «الموطَّأ». نعم، أخرجه المؤلِّف في «استتابة المرتدِّين» من طريق يحيى القطَّان، عن مالكٍ والثَّوريِّ جميعًا، عن عبد الله بن دينارٍ بلفظ «قل: عليك» [خ¦6928] بغير واو، ولكن وقع في رواية السَّرخسيِّ وحده: ”فقل: عليكم“ بصيغة الجمع بغير واو أيضًا، وهو عند النَّسائيِّ من طريقِ ابن عيينة، عن عبد الله بنِ دينار بغير واو بصيغة الجمع. وقال النَّوويُّ: وقد جاءتِ الأحاديثُ في مسلم بالحذفِ، والأكثر بالإثباتِ، ويحتملُ أن تكون للعطف، وأن تكون للاستئناف كما مرَّ، واختارَ بعضهم الحذف؛ لأنَّ العطف يقتضِي التَّشريك، وتقريره(1): أنَّ الواو في مثل هذا التَّركيب تقتضِي تقرير الجملة الأولى، وزيادة الثَّانية عليها، كمن قال: زيدٌ كاتبٌ، فقلت: وشاعرٌ، فإنَّه يقتضي ثبوت الوصفين لزيدٍ. قال النَّوويُّ: والصَّواب أنَّ الحذف والإثبات جائزان، والإثبات أجودُ ولا مفسدةَ فيه؛ لأنَّ السَّام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضررَ فيه. وقال البيضاويُّ: في العطف شيءٌ مقدَّرٌ، أي: وأقول(2): عليكم ما تريدون بنا، أو ما تستحقُّون، وليس عطفًا(3) على «عليكم» في كلامِهم وإلَّا لتضمَّن ذلك تقرير دُعائهم، ولذا قال: «فقل: عليك»، بغير واو، وقد(4) روي بالواو أيضًا. قال الطِّيبيُّ: سواءٌ عطفَ على «عليكم» أو على الجملةِ من حيثُ هي؛ لأنَّ المعنى يدورُ مع إرادةِ المتكلِّم، فإذا أردتَ الاشتراك كان ذلك، وإذا(5) لم تردْ حملتَ على معنى الحصول والوجود، كأنَّه قيل: حصل منهم ذاك ومنِّي هذا.
          قال ابن الحاجبِ‼: حروف العطف هي الحروف الَّتي يُشرك بها بين المتبوع والتَّابع في الإعراب، فإذا وقعت بعدها المفرداتُ فلا إشكال، وإذا وقعت الجملُ بعدها، فإن كانت من الجمل الَّتي هي صالحةٌ لمعمول ما تقدَّم كان حُكمها حُكم المفرد في التَّشريك(6)، كقولك(7): أصبحَ زيدٌ قائمًا وعمرو قاعدًا وشبهه، وإن كانت الجمل(8) معطوفةً على غير ذلك، كقولك: قام زيدٌ وخرج عَمرو، فمثل ذلك المراد به حصولُ مضمون الجملتين حتَّى كأنَّه قال: حصل قيامُ زيدٍ وخروجُ عمرو، وبهذا يتبيَّن أنَّ معنى الواو على ما ذكرناه من تقدير حصولِ الأمرين، ثمَّ كلامه هذا على تقدير أن يكونا جملتين وعُطِفت إحدَاهما على الأخرى، وإذا عُطِفت على الخبرِ نظرًا إلى عطفِ الجملةِ على الجملةِ لا على الاشتراكِ جاز أيضًا.
          قال ابنُ جنِّي في(9) قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}[الرحمن:6]: إنَّ(10) قوله: {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا}[الرحمن:7] عطفٌ على {يَسْجُدَانِ}، وهو جملةٌ من فعلٍ وفاعلٍ، نحو قولك: قام زيدٌ وعمرو ضربته. وقال ابنُ الحاجب في «الأمالي» في قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}[الفتح:16]: الرَّفع فيه وجهان: أحدُهما أن يكون مشتركًا بينه وبين {تُقَاتِلُونَهُمْ}(11) في العطف، والآخر أن تكون جملةً مستقلَّةً معطوفةً على الجملة الَّتي قبلها باعتبارِ الجملةِ لا باعتبارِ الإفراد. وقال في «الشَّرح»: الرَّفع على الاشتراك أو على الابتداءِ بجملةٍ معربةٍ إعراب نفسها غير مشتركٍ بينها وبين ما قبلها في عاملٍ واحدٍ؛ إذ الجملة الاسميَّة لا تكون معطوفةً على جملةٍ فعليَّةٍ باعتبار التَّشريك، ولكن باعتبار الاستقلال. ذكره في «شرح المشكاة».


[1] في (ع): «تقديره».
[2] في (د): «أقول».
[3] في (ص): «معطوفًا».
[4] «وقد»: ليست في (ص).
[5] في (ب) و(س): «إن».
[6] في (د): «المفرد والتشريك».
[7] في (ع) و(د): «كقوله».
[8] في (د): «الجملة»، كذا في شرح المشكاة.
[9] «في»: ليست في (ص).
[10] «إن»: ليست في (د).
[11] في (ع): «تقاتلون»، وفي (د): «يقاتلونكم».