إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ هو عليها فاجر

          2356- 2357- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو عبد الله المروزيُّ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزَّاي، محمَّد بن ميمونٍ السُّكَّريِّ المروزيِّ (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران (عَنْ شَقِيقٍ) هو ابن سلمة، أبو وائلٍ، الأزديِّ الكوفيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) هو ابن مسعودٍ ( ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ) أي: على محلوف يمينٍ، حال كونه (يَقْتَطِعُ بِهَا) أي: بسبب اليمين (مَالَ امْرِئٍ هُوَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”مال امرئٍ مسلمٍ هو“ (عَلَيْهَا) أي: هو في الإقدام عليها(1) (فَاجِرٌ) أي: كاذبٌ، ويحتمل أن تكون جملة «يقتطع» صفةً لـ «يمينٍ»، والتَّقييد بالمسلم جرى على الغالب، وإلَّا فلا فرق بين المسلم والذِّمِّيِّ والمعاهد وغيرهم، كما جرى على الغالب في تقييده بمالٍ، ولا فرق بين المال وغيره في ذلك، وفي «مسلمٍ» من حديث إياس بن ثعلبة الحارثيِّ: «من اقتطع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه» (لَقِيَ اللهَ) يوم القيامة (وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) فيعامله معاملة المغضوب عليه من كونه لا ينظر إليه ولا يكلِّمه، ولـ «مسلمٍ» من حديث وائل بن حجرٍ: «وهو عنه معرضٌ»، وعند أبي داود من حديث عمران: «فليتبوَّأ مقعده من النَّار» (فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ}) يستبدلون ({بِعَهْدِ اللّهِ}) بما عاهدوا الله(2) عليه من الإيمان بالرَّسول والوفاء بالأمانات ({وَأَيْمَانِهِمْ}) وبما حلفوا عليه ({ثَمَنًا قَلِيلاً}[آل عمران:77])... الآيَةَ. (فَجَاءَ الأَشْعَثُ) هو ابن قيسٍ الكنديُّ، من المكان الذي كان فيه إلى المجلس الذي كان عبد الله يُحدِّثهم فيه (فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ) بلفظ الماضي، ولأبوي ذرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”ما يحدِّثكم“ (أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟) يعني ابن مسعودٍ، زاد في رواية جريرٍ في «الرَّهن» [خ¦2515] [خ¦2516]: قال: فحدَّثناه، قال: فقال: صدق (فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي) اسمه: معدان بن الأسود بن معد يكرب الكنديُّ، ولقبه الجَفشيش _بالجيم المفتوحة والشِّينين(3) المعجمتين بينهما تحتيَّةٌ ساكنةٌ على الأشهر_ وزعم الإسماعيليُّ أنَّ أبا حمزة تفرَّد بذكر البئر عن الأعمش، وليس كما قال فقد وافقه أبو عوانة كما في «كتاب الأيمان» [خ¦6676] و«الأحكام» [خ¦7183] من رواية الثَّوريِّ ومنصورٍ عن الأعمش جميعًا(4)، وفي رواية جريرٍ عن منصورٍ [خ¦2669]: في شيءٍ (فَقَالَ لِي) رسول الله صلعم : (شُهُودَكَ) نُصِب بتقدير «أَحْضِرْ» أو «أَقِمْ» شهودك على حقِّك، وفي نسخةٍ: ”شهوُدك“ بالرَّفع، خبر مبتدأٍ محذوفٍ، أي: فالمثبِتُ لحقِّك شهودُك، قال الأشعث: (قُلْتُ: مَا لِي شُهُودٌ، قَالَ) ╕ : (فَيَمِينَهُ) أي: فاطلب يمينه، وفي نسخةٍ: ”فيمينُه“ بالرَّفع، أي: فالحجَّةُ القاطعةُ بينكما يمينهُ (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِذَنْ يَحْلِفَ) بنصب «يحلفَ» لا غير كما قاله السُّهيليُّ، وكذا هو(5) في الفرع وأصله(6)‼؛ لاستيفائها شروط إعمالها التي هي: التَّصدُّر، والاستقبال، وعدم الفصل، ولا يجوز إلغاؤها حينئذٍ، قال الزَّركشيُّ «في أحكام عمدة الأحكام»(7)، وذكر ابن خروفٍ في «شرح سيبويه»: أنَّ من العرب من لا ينصب بها مع استيفاء الشُّروط، حكاه سيبويه، قال: ومنه الحديث: «إذًا يحلفُ بالله»، وهو صريحٌ في أنَّ الرِّواية بالرَّفع. انتهى. قال في «المصابيح»: استشهاده بالحديث إنَّما يدلُّ على أنَّ الرَّفع مرويٌّ، لا أنَّه هو المرويُّ كما يظهر من عبارة الزَّركشيِّ (فَذَكَرَ النَّبِيُّ صلعم هَذَا الحَدِيثَ) وهو قوله: «من حلف على يمينٍ...» إلى آخره، (فَأَنْزَلَ اللهُ ذَلِكَ) أي: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ}... الآية[آل عمران:77] (تَصْدِيقًا لَهُ) صلعم .
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «الإشخاص» [خ¦2416] و«الشَّهادات» [خ¦2666] و«الأيمان والنُّذور» [خ¦6660] و«التَّفسير» [خ¦4549] و«الشَّركة» [خ¦2515]، ومسلمٌ في «الأيمان» وكذا أبو داود، والنَّسائيُّ في «القضاء»، وابن ماجه في «الأحكام»(8).


[1] «أي: هو في الإقدام عليها»: ليس في (م).
[2] «اسم الجلالة»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[3] في (د): «والشِّين».
[4] في الأصول: «من رواية الثوري ومنصور عن الأعمش جميعًا»، والتصحيح من الصحيح (7183)، وانظر تحفة الأشراف (158).
[5] «هو»: ليس في (د).
[6] «وأصله»: ليس في (م).
[7] «في أحكام عمدة الأحكام»: ضُرِب عليه في (د).
[8] «في الأحكام»: ليس في (ص).