التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب رهن السلاح

          ░3▒ (بَابُ رَهْنِ السِّلاَحِ)
          2510- ذَكر فيْه حديثَ جابرٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ...) إلى أن قال: (وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ يَعْنِي السِّلاَحَ)، وفيْه (فَقَتَلُوهُ).
          وليس فيْه ما بوَّب لَه، لأنَّهم لم يقصدوا إلَّا الخديعة.
          قال ابن إسحاق: وكعبٌ كان مِنْ طيِّئٍ وكانت أُمُّه مِنْ بني النَّضير، وكان يعادي رَسُولَ الله صلعم ويحرِّضُ المشركين عليْه، فلمَّا أُصِيب المشركون ببدرٍ خرج إلى مكَّة يحرِّض عَلَى النَّبيِّ صلعم، ثُمَّ رجع إلى المدينة يشبِّبُ بنساء المسلمين حتَّى آذاْهم فقال رَسُول الله صلعم: ((مَنْ لَهُ؟ فإنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ)).
          ولم يكن بنو النَّضِير ذمَّةً لرسول الله صلعم، ولم يكن كعبٌ في عهدٍ لرسول الله صلعم، يوضِّحُهُ إعلانُه بأنَّهُ آذى اللهَ ورسولَه عَلَى رؤوس النَّاس، وكيف يكون في عهدٍ مَنْ شَكَوا منْه الأذى؟ بل كان ممتنعًا بقومِه في حصنِه، وكان المسلمون يَقْنَعون منْه بالقُعود عن حربِهم، وإنَّما كانت بينَهم مسالَمةٌ وموافقةٌ للجيرة، فكان ◙ يمسكُ عنْهم لإمساكِهم عنْه مِنْ غير عهدٍ ولا عقدٍ، ولو كان لكعبٍ عهدٌ انتقض بالأذى ووجب عليْه، ولكان يقول: (مَنْ لِكَعْبِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ) نابذًا إليه عهده ومسقطًا بذلك ذِمَّتَه، ولو كان مِنْ أهل العهد والذِّمَّةِ لوجب حربُه واغتيالُه بكلِّ وجهٍ، فمَنْ لام الشَّارع عَلَى ذلك فقد كذَّب الله في قولِه: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات:54] ووصفَ رسولَه صلعم بما لا يحلُّ لَه ممَّا نزَّهه الله عنْه، والله وليُّ الانتقام منْه، وسيكون لنا عودةٌ إليْه _إن شاء الله_ في الجهاد، ولم يَجُز أن يُرهَن عند ابن الأشرف سلاحٌ ولا شيءٌ ممَّا يَتقوَّى بِه عَلَى أذى المسلمين.
          وليس قولُهم لَه: (نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ) ممَّا يدلُّ عَلَى جواز رهن السِّلاح عند الحربيِّ، وإنَّما كان ذلك مِنْ معاريض الكلام المباحة في الحرب وغيرِه.
          قال السُّهَيْليُّ في قولِه: ((مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ...)) إلى آخرِه جوازُ قتلِ مَنْ سبَّهُ وإن كان ذا عهدٍ خلافًا لأبي حنيفة، فإنَّهُ لا يرى قتل الذِّمِّيِّ في مثل هذا.
          وزعم المازَريُّ أنَّهُ إنَّما قَتَلَه لأنَّهُ نقض العهد، وكان عاهدَه أنَّهُ لا يعينُ عليْه، ثُمَّ جاءَه مع أهل الحرب وأغرى قريشًا وغيرَهم حتَّى اجتمعوا بأُحدٍ.
          وكذا ذكرَه الخَطَّابيُّ زاد وقال شعرًا، يعني قبيحًا مُفْظِعًا، وكذا قال ابن التِّينِ: قَتْلُه كعبًا لأنَّهُ نكث ما عاهد عليْه وأخفرَ الذِّمَّةَ.
          وقولُه: (آذَى اللهَ) يَحْتملُ أن يريد أنَّ مَنْ آذى رسولَه فقد آذى مُرْسِلَهُ، أو يريد تكذيبَه بما أنزل الله، وهو مجازٌ لأنَّ الرَّبَّ _جلَّ جلالُه_ لا يدركهُ أذًى.
          وفيْه جوازُ الكذب لمصلحةٍ، وفي روايةٍ أنَّه قال: إنَّ محمَّدًا عنَّانا وسألَنا الصَّدَقَة.
          و(اللَّأْمَةُ: السِّلاَحُ) قال ابن التِّينِ: قال اللُّغويُّون اللأْمَة _مهموزةً_ الدِّرع، وجمعُها لُؤَمٌ عَلَى غير قياسٍ، كأنَّهُ جمع لُؤْمةٍ وهي الحديدة الَّتي يُحرث بِها.