التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من رهن درعه

          ░2▒ (بَابُ مَنْ رَهَنَ دِرْعَهُ)
          2509- ذَكر فيْه حديثَ عائشةَ: (اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ).
          وقد سلف أيضًا [خ¦2068]، وترجم لَه فيما سيأتي باب الرَّهن عند اليهود وغيرِهم، وإنَّما أراد البخاريُّ أن يستدلَّ بأنَّ الرَّهن لمَّا جاز في الثَّمن بالسُّنَّة المجمع عليْها جاز في المثمَّن وهو السَّلَم، وبيانُه أنَّهُ لمَّا جاز أن يشتريَ الرَّجلُ طعامًا أو عَرضًا بثمنٍ إلى أجلٍ ويرهنَ في الثَّمن رهنًا، كذلك يجوز إذا دفع عينًا سَلَمًا في عرض طعامٍ أو غيرِه أن يأخذ في الشَّيء المسْلَم فيْه رهنًا، وكلُّ ما جاز تملُّكُه وبيعُه جاز رهنُه.
          وفي رهنِه درعَه عند اليهوديِّ دِلالةٌ أنَّ متاجرة أهل الكتاب والمشركين جائزةٌ، إلَّا أنَّ أهل الحرب لا يجوز أن يُبَاع منْهم السِّلاحُ ولا كلُّ ما يتقوون بِه عَلَى أهل الإسلام، ولا أن يرهن ذلك عندهم، وكان هذا اليهوديُّ الَّذي رهنه مِنْ أهل المدينة، وممَّن لا يُخشى منه غائلةٌ ولا مكيدةٌ للإسلام، ولم يكن حربيًّا.
          فائدةٌ: في الحديث الأوَّل أنَّ الشَّعير كان أكثرَ أكلِه، وصرَّح بِه الدَّاوُدِيُّ، وفي إهداء أنسٍ ما ذُكر إهداءُ ما تيسَّر.
          والإهالة الوَدَك، والسَّنِخَة المتغيِّرة الرَّائحة، وقَالَ الدَّاوُدِيُّ: الإِهَالة القُلَّة وفيْها سَمْنٌ تغيَّر طعمُه شيئًا.
          وفيْه / جوازُ رهنِ السِّلاح عند الذِّمِّيِّ، وذَلِكَ أنَّ مَنْ أمنه فأنت آمنٌ منْه بخلاف الحربيِّ، وقد سلف.
          وفي الحديث الثَّاني (تَذَاكَرْنَا الرَّهْنَ وَالكَفِيلَ فِي السَّلَفِ) وفي نسخةٍ <وَالقَبِيلَ> _بالقاف_ وهو الحميل أيضًا، واحتجَّ بِه بعضُهم عَلَى اليمين مع الشَّاهد، فقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ}الآية [البقرة:283]، لأنَّهُ لم يأمر بما لا نفعَ فيْه.
          وفيْه أنَّ الرَّهْن يقوم مَقام الشَّاهد ويؤيِّدُه {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة:283] فأخبر أنَّ المرتهِن لم يأتمن الرَّاهنَ، فصار القولُ قولَه إلى مبلغِ قيمة الرَّهْن، وأباه بعضُهم وقال: لا يحلف مع الرَّهْن بخلاف الشَّاهد، ومِنَ الغريب أنَّ بعضَهم منعَ أخذ الرَّهن إلَّا في السَّلم، حكاْه ابن التِّينِ.