التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الرهن في الحضر

          ░1▒ (بَابُ الرَّهْنِ فِي الحَضَرِ)
          وَقَوْلِ اللهِ تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283].
          2508- فيه حديثُ أنسٍ: (رَهَنَ النَّبيُّ صلعم دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ...). وذَكرَه بطولِه.
          وقد سلف في باب: الشِّراء بالنَّسيئة [خ¦2069] وأنَّهُ بالمدينة، وهو أصرحُ مِنْ روايتِه هنا، وقد أسلفنا أنَّ الرَّهْن جائزٌ حضرًا وسفرًا عند جميع الفقهاء، وعن مجاهدٍ تخصيصُه بالسَّفر، قال ابن حَزْمٍ: صحَّ عنْه، وبِه قال داود لظاهر الآية المذكورة، وحجَّةُ الجماعة أنَّ الله تعالى لم يذكر السَّفر عَلَى أن يكون شرطًا في الرَّهْن، وإنَّما ذكرَه لأنَّ الغالب فيه أنَّ الكاتب يُعْدَم في السَّفر، وقد يُوجد الكاتبُ في السَّفر، ويجوز فيْه الرَّهْن، فكذلك الحضَر وإن كان الكاتب حاضرًا لأنَّ الرَّهْن إنَّما هو معنى التَّوثقة بدليل قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية [البقرة:283] وكلُّ ما جاز أن يُسْتَوثق بِه في السَّفر جاز في الحضر كالضَّمِين، وقد رهنَ سيِّدُ الأمَّةِ دِرعَه بالمدينة عند يهوديٍّ في شعيرٍ أخذَه لأهلِه مِنَ المدينة حضرتِهِ ووطنِهِ، فطاح قولُهم.
          وقال ابنُ حَزْمٍ: حديث الباب ليس فيْه اشتراطُ الرَّهْن، ونحن لا نمنع مِنَ الرَّهْن بغير شرطٍ في العَقْد، إنَّما هو تطوُّعٌ مِنَ الرَّاهن، والتَّطوُّع بما لم يُنْهَ عنْه حسنٌ، قال: فإنْ ذكر حديث أبي رافعٍ وبعثه النَّبيُّ صلعم إلى يهوديٍّ ليُسلِفَهُ طعامًا لضيفٍ نزل بِه فأبى إلَّا برهنٍ فرهنَه دِرْعَه، قلنا: هذا حديثٌ تفرَّد بِه موسى بن عُبيدة الرَّبَذِيُّ وهو ضعيفٌ.
          وعند ابن أبي شعبة كان الحارث والحكم لا يرَيان بأسًا بالرَّهن إذا كان عَلَى يدي عَدْلٍ مقبوضًا.
          وعن الشَّعبيِّ هو رهنٌ، وقال الحكم: لا يكون رهنًا حتَّى يقبضَه صاحبُه، وعن سعيدٍ أنَّهُ قرأها {فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] قال: لا يكون الرَّهْن إلَّا مقبوضًا.
          تنبيهٌ: بوَّب الرَّهْنَ في الحضر وأتى بالآية، وليس فيها ذكرُ الحضرِ، وكذا الحديث، لكنَّا أجبنا عنْه أنَّهُ أسلفَه في موضعٍ آخرَ فأحال عليْه.