شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من يكبر في سجدتي السهو

          ░5▒ بَابُ: يُكَبِّرُ في سَجْدَتَيِ السَّهْوِ.
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: (صَلَّى النَّبيُّ صلعم إِحْدَى صَلاتَيِ العَشِيِّ _قَالَ مُحَمَّدٌ(1): وَأَكْثَرُ(2) ظَنِّي أَنَّها(3) العَصْرَ_ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سَلَّمَ، ثمَّ قَامَ(4) إلى خَشَبَةٍ في مُقَدَّمِ المَسْجِدِ(5) فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ الصَّلاةُ؟ وَرَجُلٌ(6) يَدْعُوهُ النَّبيُّ صلعم ذَا(7) اليَدَيْنِ فَقَالَ: أَنَسِيْتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنَسَ وَلَمْ تُقْصَرْ، قَالَ(8): بَلَى، قَدْ نَسِيْتَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سَلَّمَ ثمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فكَبَّرَ(9)، ثمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، وَسَجَدَ(10) مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ(11)). [خ¦1229]
          وفيهِ: ابنُ بُحَيْنَةَ: (أَنَّ النَّبيَّ(12) صلعم قَامَ في صَلاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَكَبَّرَ(13) في كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ(14) قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَسَجَدَهُمَا النَّاس مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الجُلُوسِ(15)). [خ¦1230]
          قال المُهَلَّبُ: التَّكبير في سُجُود(16) السَّهو ثابتٌ عن النَّبيِّ صلعم ولذلك ألحق المسلمون(17) فيهما التَّشهُّد والسَّلام. وفي هذا الحديث مِن الفِقْه أنَّه لو(18) انحرف عن القبلة في صلاته ساهيًا أو مشى قليلًا، أنَّه لا يُخرجه ذلك عن صلاته لأنَّ النَّبيَّ(19) صلعم قام إلى خشبةٍ في مقدَّم المسجد فوضع يده عليها، وخَرَج السَّرَعَان وقالوا: إنَّه قَصُرَتِ الصَّلاة، فلم ينقض ذلك صلاتهم لأنَّه كان سهوًا فدلَّ أنَّ السَّهو لا ينقض الصَّلاة، ولا يُستعمل اليوم مثل هذا من الخُرُوج من المسجد والكلام ليسارة إعادة الصَّلاة، والعمل الكثير في الصَّلاة مسقطٌ لخُشُوعها، فلذلك استحبَّ العلماء(20) إعادتها من أوَّلها إذا كثر(21) العمل مثل هذا.
          واختلف العلماء في الَّذي يسهو مرارًا في الصَّلاة، فقال أكثر أهل العلم: يُجزئه لجميع(22) ذلك(23) سجدتان، هذا قول النَّخَعِيِّ ورَبِيْعَةَ ومالكٍ(24) والثَّوْرِيِّ واللَّيْثِ والكوفيين(25) والشَّافعيِّ وأبي(26) ثَوْرٍ، منهم(27) من قال: يسجد في ذلك كلِّه قبل السَّلام، ومنهم من قال: بعد السَّلام على حسب أقوالهم في ذلك.
          وفيه قولٌ ثانٍ(28): أنَّ على من سَهَا سهوين مختلفين أربع سجداتٍ، هذا قول الأوزاعيِّ.
          وقال ابنُ أبي حازمٍ وعبدُ العزيزِ بنُ أبي سَلَمَةَ: إذا كان عليه سهوان في صلاةٍ واحدةٍ، منه ما يسجد له قبل السَّلام، ومنه(29) ما يسجد له بعد السَّلام، فليسجد قبل السَّلام وبعد السَّلام(30).
          قال ابنُ القَصَّارِ: وحديث ذِي اليدين حُجَّةٌ لأهل المقالة الأولى، وذلك أنَّ النَّبيَّ صلعم سَلَّمَ وهذا يوجب سُجُود السَّهو، ثمَّ مشى إلى خشبةٍ معترضةٍ في المسجد فاتَّكأ عليها، وهذا يوجب سُجُود سهوٍ(31)، ثمَّ تَكَلَّمَ فقال: (أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟)، وهذا يوجب سُجُود سهوٍ، ثمَّ سجد لجميع ذلك ◙ سجدتين، وهذا حجَّةٌ على من(32) خالفه.
          وقال مالكٌ: إنَّه إذا اجتمع سهوان في الصَّلاة بزيادةٍ ونقصانٍ فسُجُودهما قبل السَّلام.
          أخذ في الزِّيادة بحديث ذِي اليدين، وأخذ في النُّقصان بحديث ابنِ بُحَيْنَةَ، وبهذا يَصِحُّ استعمال الخبرين جميعًا، واستعمال الأخبار أولى من ادِّعاء النَّسخ فيها، والفرق بين الزِّيادة والنُّقصان(33) بَيِّنٌ من طريق النَّظر لأنَّ(34) السُّجُود في النُّقصان إصلاحٌ وجبرٌ، ومحالٌ أن يكون الجبر بعد الخُرُوج من الصَّلاة والسُّجُود في الزِّيادة ترغيمٌ للشَّيطان، وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ مِن الصَّلاة. و(سَرَعَانِ النَّاسِ) أوائلهم، وكذلك سرعان الخيل.


[1] قوله: ((قال محمَّد)) ليس في (م).
[2] في (ص): ((وأكبر)).
[3] قوله: ((أنَّها)) ليس في المطبوع.
[4] في (ص): ((وقام)).
[5] قوله: ((المسجد)) ليس في (ص).
[6] في (م) صورتها: ((فدخل)).
[7] في (م): ((ذو)).
[8] في (ص): ((فقال)).
[9] في المطبوع و(ص): ((وكبَّر)).
[10] في (م) و(ي): ((فسجد)).
[11] قوله: ((ثمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ)) ليس في (ص).
[12] في (ص): ((الرسول)).
[13] في (م) و(ص): ((يكبِّر)).
[14] قوله: ((وهو جالس)) ليس في (م).
[15] قوله: ((وَسَجَدَهُمَا النَّاس مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الجُلُوسِ)) ليس في (م).
[16] في (م): ((سجدتي)).
[17] في (م): ((العلماء)).
[18] في (م): ((من)).
[19] في (ص): ((الرسول)).
[20] في (م): ((الفقهاء)).
[21] في (م) تحتمل: ((إذ أكثر)).
[22] قوله: ((لجميع)) ليس في (ص).
[23] في (م): ((سهوه)).
[24] في (م): ((النَّخَعي ومالك وربيعة)).
[25] في (م): ((والكوفيُّون)).
[26] في (م): ((وأبو)).
[27] في المطبوع و(ص): ((ومنهم)).
[28] في المطبوع و(ص): ((ثاني)).
[29] في (م): ((ومن)).
[30] في (م): ((فليسجد لها قبل السَّلام وبعده)).
[31] في (ص): ((السهو)).
[32] في (م): ((على كلِّ ما)).
[33] زاد في (م): ((في ذلك)).
[34] في (م): ((أن)).