شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا صلى خمسًا

          ░2▒ بَابُ: إِذَا صَلَّى خَمْسًا.
          فيه: ابنُ مسعودٍ: (أَنَّ النَّبيَّ(1) صلعم / صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيْلَ لَهُ: أَزِيدَ في الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ، قَالَ(2): صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ(3)). [خ¦1226]
          اختلف الفقهاء في المُصَلِّي إذا قام إلى خامسة، فقالت طائفةٌ بظاهر هذا الحديث: إن ذكر وهو في الخامسة قبل كمالها، رجع وجلس وتشهَّد وَسَلَّمَ، وإن لم يذكر إلَّا بعد فراغه من الخامسة، فإنَّه يُسَلِّمُ، ويسجد للسَّهو، وصلاته مجزئةٌ عنه، هذا قول عَطَاءٍ والحَسَنِ والنَّخَعيِّ والزُّهْريِّ، وإليه ذهب مالكٌ والأوزاعيُّ واللَّيثُ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ وأبو ثَوْرٍ.
          وقال أبو حَنِيْفَةَ(4): إذا صَلَّى الظُّهْر خمسًا ساهيًا نُظر، فإن(5) لم يقعد في الرَّابعة قدر التَّشهُّد، فإنَّ صلاته الفرض قد بطلت ويضيف إلى الخامسة سادسةً، وتكون نافلة ويعيد الفرض، وإن جلس في الرَّابعة مقدار التَّشهُّد فصلاته مجزئةٌ ويضيف إلى الخامسة سادسةً، وتكون(6) الخامسة والسادسة نفلًا، وإن ذكر وهو في الخامسة قبل أن يسجد فيها، ولم يكن جلس في الرَّابعة رجع إليها فأتمَّها كما نقول وسجد بعد السَّلام.
          قال ابنُ القَصَّارِ: ولا(7) ينفكُّ أصحاب أبي حنيفة في(8) هذا الحديث مِن أحد وجهين: إمَّا أن يكون صلعم قعد في الرَّابعة قدر التَّشهُّد، فإذا(9) سجد ولم يزد على الخامسة سادسةً أو لم يقعد، فإنَّه لم يُعِدِ الصَّلاة، وهم يقولون: قد بطلت صلاته، ولو كانت باطلةً لم يسجد صلعم(10) للسَّهو ولأعاد الصَّلاةَ.
          وقوله: (فَسَجَدَ(11) سَجْدَتَيْنِ بَعْدَما سَلَّمَ)، هو حجَّة لمالك في أنَّ سجود السَّهو في الزِّيادة بعد السَّلام، وخلاف لقول(12) الشَّافعي في أنَّ سُجُود السَّهو في(13) الزيادة قبل السَّلام، وقول مالك يشهد له الحديث، ومِن طريق النَّظر أنَّ سُجُود النَّقص جُبران، والجُبران يقع داخل الصَّلاة فيُجعل زيادة فعلٍ مكان ما سَقَطَ من الفعل، وتُجعل الزِّيادة الَّتي هي ترغيمٌ للشَّيطان خارج الصَّلاة(14)، ولا تدخل زيادة فعلٍ على زيادة فعلٍ، فتكثر الزِّيادات.
          وقال المُهَلَّبُ: السُّجُود في الزِّيادة إنَّما هو لأحد معنيين: ليشفع(15) ما قد زاد إن كان(16) زيادةً كثيرةً، وقد رُوِيَ عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((فَإِذَا(17) وَجَدَ(18) أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ تَشْفَعُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ))، وإن كانت زيادةً قليلةً فالسَّجدتان ترغيمٌ للشَّيطان الَّذي أسهى وأشغل(19) حتَّى زاد في الصَّلاة، فأُغيظ الشَّيطان بالسَّجدتين لأنَّ السُّجُود هو الَّذي استحقَّ إبليس بتركه العذاب في الآخرة والخلود في النَّار، فلا شيء أرغم له منه.


[1] في (ص): ((الرسول)).
[2] في (م): ((قالوا)).
[3] في المطبوع و(ص): ((بعد السَّلام)).
[4] زاد في (م): ((وأصحابه)).
[5] زاد في (م): ((كان)).
[6] في (م): ((تكون)). قوله: ((نافلة ويعيد الفرض، وإن جلس في الرَّابعة مقدار التَّشهُّد فصلاته مجزئةٌ ويضيف إلى الخامسة سادسةً، وتكون)) ليس في (ص).
[7] في المطبوع و(ص): ((فلا)).
[8] في (م): ((من)).
[9] في (م): ((فإنَّه)).
[10] في (ص): ((لم يتشهد ◙)).
[11] في (م) و(ي) و(ص): ((يسجد)).
[12] في (م): ((قول)).
[13] في (م): ((السُّجود في)).
[14] زاد في (م): ((لأنَّها ليست بجبران)).
[15] زاد في (م): ((له)).
[16] في (م): ((كانت)).
[17] في (م): ((عن النَّبيِّ ◙ فإذا))، وفي (ق) و(ص): ((قال: إذا)).
[18] زاد في (م) و(ص): ((ذلك)).
[19] في (م): ((وشغل)).