شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها

          ░11▒ بابُ مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ في الصَّلاةِ فَسَجَدَ بِهَا.
          فيه: أَبُو رَافِعٍ قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ أبي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ، فَقَرَأَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}[الانشقاق:1]فَسَجَدَ فَقُلْتُ: مَا هَذا؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أبي الْقَاسِمِ صلعم، فَلا أَزَالُ أَسْجُدُ فيها(1) حَتَّى أَلْقَاهُ). [خ¦1078]
          في هذا الحديث حجَّةٌ لقول الشَّافعيِّ والثَّوريِّ(2) أنَّه من قرأ سجدةً في صلاةٍ مكتوبةٍ أنَّه لا بأس أن يسجد فيها(3)، إلَّا الذين لا يرون السُّجود في المفصَّل لا يرون السُّجود في هذه السُّورة، فإن فعل فلا حرج عندهم في ذلك(4).
          وقد كره مالكٌ قراءة سجدةٍ في صلاة الفريضة فيما يجهر به(5)، وفيما لا يجهر به(6) مرَّةً، واختاره(7) أخرى، وقال ابن حبيبٍ: لا يقرأ الإمام السَّجدة فيما يسرُّ فيه، ويقرأها فيما يجهر فيه، ورُوي مثله عن أبي حنيفة(8)، ومنع ذلك أبو مِجْلَزٍ، ذكره(9) الطَّبريُّ عنه أنَّه كان لا يرى السُّجود في صلاة الفريضة، وزعم أنَّ ذلك زيادةً في الصَّلاة ما ليس فيها(10)، ورأى أنَّ السجود فيها غير الصَّلاة(11).
          قال الطَّبريُّ: وحديث أبي هريرة شاهدٌ بخلاف قول أبي مِجْلَزٍ، ودليلٌ كافٍ يقضي بصحَّة قول الجماعة، وبه عمل السَّلف من الصَّحابة وعلماء الأمَّة.
          رُوي(12) عن عُمَر بن الخطَّاب أنه صلى الصُّبح فقرأ: {وَالنَّجْمِ(13)}[النجم:1]فسجد فيها، وقرأ مرَّةً في الصُّبح الْحَجَّ فسجد فيها سجدتين، وقال ابن مسعودٍ في السُّورة يكون آخرها سجدةٌ: إن شئت سجدت بها، ثمَّ قمت(14) فقرأت وركعت، وإن شئت ركعت بها، وقال الطَّحاويُّ: إنَّما قرأ النَّبيُّ صلعم السَّجدة في العتمة والصُّبح(15)، وهذا فيما جهر فيه، وإذا سجد في قراءة السِّرِّ لمْ يدر النَّاس لمَ(16) سجد؟ للتِّلاوة(17) في الصَّلاة أو غيرها، أو سجود شكرٍ؟ فيسجدون من غير(18) علم لما(19) سجدوا له، وفي حديث أبي هريرة حجَّةٌ لمن قال: إنَّ سجدة: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}[الانشقاق:1]ليست من عزائم السُّجود، لترك السَّلف السُّجود فيها(20)، ولذلك أنكر أبو رافعٍ على أبي هريرة سجوده فيها كما أنكره عليه أبو سلمة(21).
          وقول أبي هريرة: (سَجَدْتُ بِها خَلْفَ أَبي القَاسِمِ، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيها) يحتمل أن يكون سجد فيها(22) خلفه، ولم يواظب ◙ على السُّجود فيها، ولذلك أجمع(23) النَّاس على تركها، ولو واظب عليها(24) لم يخفِ(25) ذلك عليهم / ولا تركوها.


[1] في (ص): ((ولا أزال أسجد بها)).
[2] في (م) و (ي): ((لقول الثوري والشافعي)).
[3] في (ق) و(م): ((بها)).
[4] قوله: ((إلا الذين لا يرون السجود... عندهم في ذلك)) ليس في (ق) و (م).
[5] في (ق): ((فيه)).
[6] قوله: ((به)) ليس في (ق).
[7] في (ق) و (م): ((وأجازه)).
[8] في (ص) صورتها: ((بحينة)).
[9] في (ق) و(م): ((ذكر)).
[10] في (ق) وتحتمل في (ص): ((منها)).
[11] قوله: ((ورأى أن السجود فيها غير الصلاة)) ليس في (ق) و(م).
[12] في (ص): ((وروي)).
[13] في (ق) و(م): ((النجم)).
[14] في (ص): ((وقمت)).
[15] في (ق) و(م): ((وفي الصبح)).
[16] في (ق): ((لما)).
[17] في (ي): ((التلاوة)).
[18] في (ص): ((فيسجدون لغير)).
[19] في (م): ((بما)).
[20] قوله: ((لترك السلف السجود فيها)) ليس في (ق).
[21] في (ق) و(م): ((كما أنكر عليه أبو سلمة أيضًا)).
[22] في (ص): ((بها)).
[23] في (ق) و(م): ((احتمل)).
[24] في (ز) و(ص): ((عليه)) والمثبت من باقي النسخ.
[25] في (ص): ((يخفَ)) بالفتح.