شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من سجد لسجود القارئ

          ░8▒ باب مَنْ سَجَدَ لِسُجُودِ الْقَارِئِ.
          فيه ابْن عُمَرَ، قَالَ: (كَانَ النَّبيُّ(1) صلعم يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ(2)، وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ). [خ¦1075]
          وترجم له: باب ازدحام النَّاس إذا قرأ الإمام السَّجدة.
          أجمع فقهاء الأمصار أنَّ التَّالي إذا سجد في تلاوته لزم الجالس إليه المستمع له أن يسجد بسجوده، وقال(3) عثمان: إنَّما السَّجدة على من سمعها، واختلفوا في التَّالي إذا قرأ السَّجدة ولم يسجد فيها هل يسجد المستمع لقراءته أم لا؟ فقال ابن القاسم في «المدوَّنة»: على الذين جلسوا إليه أن يسجدوا(4) وإن لم يسجد.
          وذكر ابن المنذر مثله(5) عن الشَّافعيِّ قال: إنْ أحبَّ المستمعُ أن يسجد فليسجد.
          وقال ابن حبيبٍ: لم أرَ أحدًا قال بقول ابن القاسم في ذلك، وسمعت مطرفًا وابن الماجِشُون وابن عبد الحكم وأَصْبَغ يقولون: لا يسجدوا(6) لأنَّه إمامهم، قال: وهو الصَّواب لأنَّ القارئ لو كان في صلاة ولم يسجد لم يسجد من معه فكذلك هذا. وفي «المدوَّنة»: كره مالكٌ أن يجلس قومٌ إلى قارئٍ يستمعون قراءته ليسجدوا معه إن(7) سجد، وأنكر ذلك إنكارًا شديدًا، قال: وأرى(8) أن يقام وينهى ولا يجلس إليه، وقال ابن شعبان: قال مالكٌ: فإن لم ينته وقرأ لهم(9) فمرَّ بسجدةٍ لم يسجد ولم يسجدوا، وقد قال مالكٌ أيضًا: أرى أن يسجدوا معه.
          قال المُهَلَّب: وقوله: (فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ(10) حتَّى مَا يَجِدَ أحدُنا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ) فيه الحرص على فعل الخير والتَّسابق إليه، وفيه لزوم متابعة أفعال النَّبيِّ صلعم على كمالها، ويحتمل أن يكون سجدوا عند ارتفاع النَّاس وباشروا الأرض، ويحتمل أن يسجد(11) ببلوغ طاقتهم من الإيماء في ذلك، والله أعلم.


[1] قوله: ((النبي)) ليس في (ق) و(ص).
[2] في (م): ((يسجد)).
[3] في (ق) و (م): ((وقد قال)).
[4] قوله: ((بسجوده وقال عثمان: إنَّما السَّجدة...جلسوا إليه أن يسجدوا)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((مثله)) ليس في (ق) و(م).
[6] في (ق) و(م): ((لا يسجد)).
[7] في (ص): ((إذا)).
[8] في (ق) و (م): ((وقال أرى))، و في (ي): ((وقال وأرى)).
[9] في (ق): ((بهم)).
[10] قوله: ((معه)) ليس في (ق) و(م).
[11] في (م): ((يستجيز))، و في (ي): ((يستجز))، في (ص): ((يسجدوا)).