شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب سجدة {إذا السماء انشقت}

          ░7▒ بابُ سَجْدَةِ / {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}[الإنشقاق:1].
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ قَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ(1) فيهَا. [خ¦1074]
          فَقَالَ(2) أَبُو سلمة: أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ؟ فقَالَ(3): (لَوْ لَمْ أَرَ رسولَ الله صلعم يَسْجُدُ لَمْ أَسْجُدْ).
          من قال بالسُّجود في المفصَّل يرى السُّجود في هذه السُّورة(4)، وقد تقدَّم الاختلاف في ذلك [خ¦1067].
          واحتجَّ بهذا الحديث من قال بالسُّجود في المفصَّل، وقالوا هذا الحديث يَرُدُّ ما رُوي عن النَّبيِّ صلعم أنَّه لم يسجد في المفصَّل منذ تحوَّل إلى المدينة لأنَّ أبا هريرة كان إسلامه(5) بالمدينة، ورُوي أنَّ النَّبيَّ صلعم سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، فكيف يجوز أن يقال(6): إنَّه بعدما هاجر لم يسجد في المفصَّل؟
          واحتجَّ الكوفيُّون وقالوا(7): النَّظر أن يكون في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}[الانشقاق:1]، سجودٌ لأنَّ قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}[الانشقاق:20-21]إخبار لا أمر، وسجود التِّلاوة إنَّما هو في موضع الإخبار، وموضع الأمر إنَّما هو تعليم فلا سجود فيه، وهذا قول الطَّحاويِّ(8).
          واحتجَّ من قال: لا سجود في المفصَّل، فقالوا: معنى سجود التِّلاوة ما كان على وجه المدح والذَّمِّ، وسجدة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}[الانشقاق:1]، خارجةٌ عن هذا المعنى لأنَّ قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}[الانشقاق:20-21]، إنَّما يعني(9) أي لا يسجدون بعد(10) الإيمان السُّجود المذكور في القرآن للصَّلاة، وهذا ليس بخطاب للمؤمنين لأنَّهم يسجدون مع الإيمان سجود الصَّلاة، هذا قول ابن القصَّار(11).
          قال المُهَلَّب: وأمَّا قول أبي سلمة لأبي هريرة: (أَلَم أرَكَ تَسْجُد)، يعني ألم أرَك تسجد في سورةٍ ما رأيت النَّاس يسجدون فيها، هكذا رواه اللَّيث عن ابن الهاد(12) عن أبي سلمة، فهذا يدلُّ أنَّه لم يكن العمل عندهم(13) على السُّجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}[الإنشقاق:1]، كما قال مالكٌ وأهل(14) المدينة، فأنكر عليه سجوده فيها، ولا يجوز(15) إنكار ما عليه العمل، فهذا يدلُّ أنَّها ليست من العزائم.


[1] في (ص): ((فقرأ)) وضرب عليها.
[2] زاد في (ق) و(م): ((له)).
[3] في (ق) و (م): ((قال)).
[4] في حاشية (م): ((في الأصل: الصورة)).
[5] قوله: ((إسلامه)) ليس في (ق).
[6] في (ق): ((فكيف يكون يجوز أن يقال))، في (ص): ((فكيف يقال)).
[7] قوله: ((واحتج الكوفيون وقالوا)) ليس في (ق) و(م) وفيها بدلها: ((وقال الطحاوي)).
[8] قوله: ((وهذا قول الطحاوي)) ليس في (ق) و(م).
[9] قوله: ((إنما يعني)) ليس في (ق)، وفيها بدلها: ((أي لا يسجدون)).
[10] في (ق): ((فعد)).
[11] في (ق): ((الصلاة. هذا قول ابن القصار))، و في (م): ((قاله ابن القصار)).
[12] في (ق) و(م): ((الهادي)).
[13] في (ق): ((يدل أن العمل لم يكن عندهم)).
[14] في (ق): ((كما قال أهل)).
[15] في (ص): ((ولم يجز)).