شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود

          ░10▒ بابُ مَنْ رَأَى أَنَّ اللهَ ╡ لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ.
          وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا، كَأَنَّهُ لا يُوجِبُهُ(1) عَلَيْهِ.
          وَقَالَ سَلْمَانُ: مَا لِهَذَا غَدَوْنَا(2).
          وَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّمَا السَّجْدَةُ على مَنِ اسْتَمَعَهَا.
          وَقَالَ الزُّهريُّ: لا تسْجُدْ إِلَّا أَنْ تكونَ(3) طَاهِرًا(4)، فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ في حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ(5) كُنْتَ رَاكِبًا فَلا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ، وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لا يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ(6).
          وفيه(7): عُمَرُ بْن الْخَطَّابِ: أَنَّهُ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ على الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ(8)، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ، قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ(9)، قَالَ: / يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ(10) فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ. [خ¦1077]
          وَزَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: (إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلا أَنْ نَشَاءَ).
          اختلف الفقهاء(11) في سجود القرآن، فقال مالكٌ واللَّيث والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ: سجود القرآن سنَّةٌ، وقال أبو حنيفة: هو واجبٌ، واحتجَّ أصحابه لوجوبه بقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}[الانشقاق:21]. قالوا: والذَّمُّ لا يتعلَّق إلَّا بترك الواجبات، وبقوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}[العلق:19]، وقالوا: هذا أمرٌ.
          قال ابن القصَّار: فالجواب(12) أنَّ الذَّمَّ هاهنا للكفَّار بأنَّهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون، فعلَّق الذَّمَّ بترك الجميع لأنَّهم لو سجدوا ألف مرَّةٍ في النَّهار(13) مع كونهم كفَّارًا لكان(14) الذَّمُّ لاحقًا بهم، فعلمنا أنَّ الذَّمَّ لم يختصَّ السُّجود(15)، ويزيد هذا بيانًا قوله(16) تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ}[الانشقاق:22]، فلم يقع الوعيد إلَّا على التَّكذيب، وقوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}[العلق:19]هو أمرٌ له بالصَّلاة وتعليمٌ له، وقد تقدَّم أنَّ سجود القرآن إنَّما هو ما جاء بلفظ الخبر، وما جاء بلفظ الأمر إنَّما هو إعلامٌ(17) له بالصَّلاة وأمرٌ له بالسُّجود فيها [خ¦1067].
          وما ذكره البخاريُّ في هذا الباب(18) عن الصَّحابة من تركهم السُّجود ولا مخالف لهم(19) فهو حجَّةٌ لمن لا يوجبه، لأنَّ الفرض لا يجوز تركه، ولا يجوز أن يكون عند بعضهم أنَّه واجبٌ ويسكت عن الإنكار على غيره(20) في قوله: (وَمَنْ لَمْ يَسْجُد فَلا إِثْمَ عَلَيْه)، ألا ترى قول عمر(21): (إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِض السجودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ).
          قال المُهَلَّب: وفي فعل عمر دليلٌ على أنَّ على العلماء أن يبيِّنوا كيف لزوم السُّنن إن كانت على العزم أو النَّدب و(22) الإباحة.
          وكان عمر ☺ من أشدِّ النَّاس تعليمًا للمسلمين، كما تأوَّل له رسول الله صلعم في الرُّؤيا أنَّه استحالت الذَّنُوب بيده غربًا فتأوَّل له العلم، ألا ترى إلى قول(23) عمر حين رأى أنَّه قد بلغ من تعليم النَّاس إلى غايةٍ رضيها قال(24): قد سُنَّتْ لكم السُّنن، وفُرضَت لكم الفرائض، وتُرِكتم على الواضحة، فأعلمنا بهذا القول(25) أنَّه يجب(26) أن يفصَّل بين السُّنن والفرائض.


[1] صورتها في (ق): ((توحيد)).
[2] زاد في (ق) و(م): ((روى [في (م): ((وروى)).] الثوري عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال مرّ سلمان على قوم قعود فقرؤوا السجدة فسجدوا فقيل له فقال ليس لهذا [في (م): ((لها))] غدونا)). في (ص): ((عندنا)).
[3] في (ي): ((اسمعها)).
[4] في (ص): ((إلا وأنت طاهر)).
[5] في (م): ((وإن)).
[6] في (ص): ((القاري)).
[7] في (ق): ((فيه)).
[8] قوله: ((بسورة النحل)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((نَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ....... جَاءَ السَّجْدَةَ)) ليس في (ق).
[10] في (ص): ((ومن لا)).
[11] في (ق) و (ي): ((العلماء)).
[12] في (ق) و(م): ((فيقال لهم)).
[13] قوله: ((في النهار)) ليس في (ق).
[14] في (ص): ((كان)).
[15] في (ق): ((بالسجود)).
[16] في (ق) و(م): ((يؤيد هذا قوله)).
[17] في (ق) و(م): ((تعليم)).
[18] قوله: ((الباب)) ليس في (ق).
[19] في (ق): ((فيهم)).
[20] في (ق) و(م): ((عمر)).
[21] في (ق): ((قول ابن عمر)).
[22] في (ق): ((أو)).
[23] في (م): ((ألا ترى قول)).
[24] قوله: ((قال)) ليس في (ق).
[25] قوله: ((بهذا القول)) ليس في (ص).
[26] قوله: ((أنه يجب)) ليس في (ي).