شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أكره حتى وهب عبدًا أو باعه لم يجز

          ░4▒ باب: إِذَا أُكْرِهَ حَتَّى وَهَبَ عَبْدًا أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ
          وَبِهِ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فَإِنْ نَذَرَ الْمُشْتَرِي فِيهِ نَذْرًا فَهُوَ جَائِزٌ بِزَعْمِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ دَبَّرَهُ.
          فيه: جَابِرٌ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ دَبَّرَ مَمْلُوكًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ النَّبيَّ صلعم فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ: فَسَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ. [خ¦6947]
          قال المُهَلَّب: أجمع العلماء أنَّ الإكراه على البيع والهبة لا يجوز، وما ذكر فيه عن أبي حنيفة أنَّه إن أعتقه أو دبَّره الموهوب أو المشتري فهو جائزٌ / فإنَّما قاس ذلك على البيع الفاسد، فإنَّه إذا فات بتدبيرٍ أو عتقٍ مضى، وكان على المفوِّت له القيمة يوم فوته، والفرق بين بيع المكره و بين(1) البيع الفاسد بيِّنٌ، وذلك أنَّ بائع البيع الفاسد راضٍ بالبيع وطيَّبَ به(2) نفسه، لكنَّه لمَّا أوقعه على خلاف السنَّة فسد وكانت فيه القيمة، والمشتري إنَّما اشتراه بوجهٍ من وجوه الحلِّ والتراضي الذي شرطه الله تعالى في البيع، والمكره على الهبة والبيع لم تطب نفسه على ذلك، فلا يجوز إمضاء ما لم تطب نفسه بتفويته.
          وقال محمَّد بن سَحنون: أجمع أهل العراق معنا أنَّ بيع المكره باطلٌ، وهذا يدلُّ أنَّ البيع(3) عندهم غير ناقلٍ للملك، ونقضوا(4) هذا بقولهم: إذا أعتق المشتري أو دبَّر فليس للبائع ردُّ ذلك. فيقال لهم: هل بيع الإكراه ناقلٌ للملك؟ فإن قالوا: لا(5) بطل عتق المشتري وتدبيره كما بطلت هبته، وإن كان ناقلًا للملك فأجيزوا كلَّ شيءٍ(6) صنع المشتري من هبةٍ وغيرها، وإذا قصد المشتري للشراء بعد علمه بالإكراه صار كالغاصب.
          وقد أجمع العلماء في عتق الغاصب أنَّ للسيِّد أن يزيله ويأخذ عبده، وقال أهل العراق: إنَّ له أن يُضَمِّن إن شاء الذي ولي الإكراه، وإن شاء المشتري المعتِق. فجعلوه في معنى الغاصب، وقال(7): إنَّ بيع المشتري شراءً فاسدًا ماضٍ ويوجب القيمة، ففرَّقوا بينه وبين البيع الفاسد وجعلوه كالغاصب.
          ووجه استدلال البخاريِّ بحديث جابرٍ في هذه المسألة أنَّ الذي دبَّره لمَّا لم يكن له مالٌ غيره كان تدبيره سفهًا من فعله، فردَّ النبيُّ صلعم ذلك من فعله، وإن كان ملكه للعبد صحيحًا كان من اشتراه شراءً فاسدًا، ولم يصحَّ له ملكه إذا دبَّره أو أعتقه أولى أن يردَّ فعله، من أجل أنَّه لم يصحَّ له ملكه.


[1] قوله: ((بين))ليس في (ص).
[2] في (ص): ((وطيبة)).
[3] قوله: ((البيع)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((ثم نقضوا)).
[5] قوله: ((لا)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((شيء)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((وقالوا)).