شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره

          ░2▒ باب: في بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِ في الْحَقِّ وَغَيْرِهِ
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (بَيْنَمَا نَحْنُ في الْمَسْجِدِ؛ إِذْ خَرَجَ إِلَينَا(1) رَسُولُ اللهِ صلعم فَقَالَ: انْطَلِقُوا إلى يَهُودَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَنَادَاهُم النَّبيُّ صلعم(2): يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَالَ: ذَلِكَ أُرِيدُ(3)، قَالَهَا ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: اعْلَمُوا أَنَّ الأرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الأرْضُ لِلَّهِ وَلرَسُولِهِ). [خ¦6944]
          قال المُهَلَّب: أمَّا ما باعه المضغوط في حقٍّ وجب عليه؛ فذلك ماضٍ سائغٌ لا رجوع فيه عند الفقهاء؛ لأنَّه يلزمه أداء الحقِّ إلى صاحبه من غير المبيع، فلمَّا لم يفعل كان / بيعه اختيارًا منه فلزمه(4).
          ووجه الاستدلال على هذه المسألة من هذا الحديث هو أنَّ إخراج النبيِّ صلعم اليهود حقٌّ؛ لأنَّه إنَّما فعل ذلك بوحيٍ من الله، فأباح لهم بيع أموالهم فكان بيعهم جائزًا؛ لأنَّه لم يقع الإكراه على البيع من أجل أعيان الشيء المبيع، وإنَّما وقع من أجل الحقِّ الذي لزمهم في الخروج، فكذلك كان بيع من وجب عليه حقٌّ جائزًا، وأمَّا بيع المكره ظلمًا وقهرًا فقال محمَّد بن سحنون: أجمع أصحابنا وأهل العراق على أن بيع المكره على الظلم والجور لا يلزمه. وقال الأبهريُّ: إنَّه إجماعٌ(5).
          وقال مُطَرِّفٌ وابن عبد الحكم وأصبغ: وسواءٌ وصل الثمن إلى المضغوط، ثمَّ دفعه إلى الذي ألجأه إلى بيع ما باعه، أو كان الظالم هو تولَّى قبض الثمن من المبتاع؛ لأنَّه إنَّما يقبضه لغيره لا لنفسه، فإذا ظفر بمتاعه بيد من ابتاعه أو بيد من اشتراه من الذي ابتاعه فهو أحقُّ به، ولا شيء عليه من الثمن، وليتراجع به الباعة(6) بعضهم على بعضٍ حتَّى يرجع المبتاع الأوَّل على الظالم الذي وصل إليه الثمن، فإن فات المبتاع رجع بقيمته على الذي فات عنده، أو بالثمن الذي بيع به، أيُّ ذلك كان أكثر.


[1] في (ص): ((علينا)).
[2] زاد في (ص):((فقال)).
[3] في (ص): ((نريد)).
[4] في (ص): ((ولزمه)).
[5] في (ص): ((لإجماع)).
[6] زاد في (ص): ((بينهم)).