شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يجوز نكاح المكره

          ░3▒ باب: لا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَهِ وَقَوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ على الْبِغَاءِ} إلى {غفور(1) رَحِيمٌ}[النور:33]
          فيه: خَنْسَاءُ بِنْتُ خِذَامٍ الأنْصَارِيَّةُ: (أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتِ النَّبيَّ صلعم، فَرَدَّ نِكَاحَهَا). [خ¦6945]
          وفيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ في أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحْيِي، فَتَسْكُتُ، قَالَ: سُكَاتُهَا إِذْنُهَا). [خ¦6946]
          قال محمَّد بن سَحنون: أجمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة، وقالوا: لا يجوز المقام عليه؛ لأنَّه لم ينعقد. وقال ابن القاسم: لا يلزم المكره ما أكره عليه من نكاحٍ أو طلاقٍ أو عتقٍ أو غيره. قال محمَّد بن سَحنون: وأجاز(2) أهل العراق نكاح المكره، وقالوا: لو أكره على أن ينكح امرأةً بعشرة ألاف درهمٍ وصداق مثلها ألف درهمٍ أنَّ النكاح جائزٌ وتلزمه الألف ويبطل الفضل.
          قال محمَّدٌ: فكما أبطلوا(3) الزائد على الألف بالإكراه كذلك يلزمهم إبطالهم(4) النكاح بالإكراه، وقولهم خلاف السنَّة الثابتة في قصَّة خنساء، وفي أمره صلعم باستئمار النساء في أبضاعهنَّ، فلا معنى لقولهم، وأمَّا من جهة النظر فإنَّه نكاح على خيارٍ، ولا يجوز النكاح بالخيار، قاله سَحنون. وإنَّما شبَّهه بنكاح الخيار؛ لأنَّه إذا أجازه(5) ورضي به فإنَّما أجاز ما كان له ردُّه، فأشبه ما عقد على الخيار، لو مات أحدهما قبل مضي مدَّة الخيار لم يتوارثا عند جميع أصحاب مالكٍ.
          قال سَحنون: فإن وطئها المكره على النكاح غير مكرهٍ على الوطء والرضا بالنكاح لزمه النكاح على المسمَّى من الصداق، ودُرِئ عنه الحدُّ، وإن قال: وطئتها على غير رضًا مني بالنكاح فعليه الحدُّ والصداق المسمَّى؛ لأنَّه مدَّعٍ لإبطال الصداق المسمَّى بهذا، وتحدُّ المرأة إن تقدَّمت وهي عالمةٌ أنَّه مكرهٌ على النكاح، وأمَّا المكرهة على النكاح وعلى الوطء فلا حدَّ عليها ولها الصداق ويحدُّ الواطئ، فاعلمه.


[1] قوله: ((غفور)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((أجاز)).
[3] في (ص): ((أبطل)).
[4] في (ص): ((إبطال)).
[5] في (ص): ((أجاز)).