عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قطع الشجر والنخل
  
              

          ░6▒ (ص) بابُ قَطْعِ الشَّجَرِ وَالنَّخِيلِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حُكمِ قطع الشجر والنخيل، ولم يذكر حكمه اكتفاءً بما في الحديث، وحكمه: أنَّهُ يجوز إذا كان القطع لمصلحة؛ مثل: إنكاء العدوِّ ونحوه، وروى التِّرْمِذيُّ مِن حديث سعيد بن جُبير عن ابن عباسٍ ☻ في قول الله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} قال: اللِّينة النخلة {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}[الحشر:5] قال: استنزلوهم مِن حصونهم، قال: وأُمِروا بقطع النخل، فحكَّ في صدورهم، قال المسلمون: قد قطعنا بعضًا وتركنا بعضًا، فَلَنسألنَّ رسول الله صلعم : هل لنا فيما قطعنا مِن أجرٍ؟ وهل علينا فيما تركنا مِن وزرٍ؟ فأنزل الله ╡ : {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ} الآية، ويأتي عن البُخَاريِّ الآن مِن حديث ابن عمر: أنَّ رسول الله صلعم حرَّق نخل بني النضير وقَطَع، وهي البويرة، وقال التِّرْمِذيُّ: وذهب قوم مِن أهل العلم إلى هذا الحديث، ولم يَرَوا بأسًا بقطع الأشجار وتخريب الحصون، وكره بعضهم ذلك، وهو قول الأوزاعيِّ، قال الأوزاعيُّ: ونهى أبو بكرٍ الصدِّيق ☺ أن يقطع شجرًا مثمرًا أو يخرب عامرًا، وعمل بذلك المسلمون بعده، وقال الشَّافِعِيُّ: لا بأس بالتحريق في أرض العدوِّ، وقطع الأشجار والثمار، وقال أحمد: وقد يكون في مواضع لا يجدون منه بدًّا، فأَمَّا بالعبث فلا يحرِّق، وقال إسحاق: التحريق سنَّة إذا كان إنكاء فيهم، انتهى كلام التِّرْمِذيِّ، وذكر بعض أهل العلم أنَّهُ صلعم قَطَع نخلهم ليغيظهم بذلك، ونزل في ذلك: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} فكان قطع النخل وعقر الشجر خزيًا لهم، وحكى النَّوَوِيُّ في «شرح مسلم» ما حكاه التِّرْمِذيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أنَّهُ مذهب الجمهور والأئِمَّة الأربعة، وقال ابن بَطَّالٍ: ذهب طائفة إلى أنَّهُ إذا رُجِي أن يصيرَ البلد للمسلمين؛ فلا بأس أن يترك ثمارهم.
          فَإِنْ قُلْتَ: روى النَّسائيُّ من حديث عبد الله بن حُبْشيٍّ قال: قال رسول الله صلعم : «مَن قطع سِدرةً صوَّب الله رأسه في النار»، وعن عروة مرفوعًا نحوه مرسلًا.
          قُلْت: كان عروة يقطعه مِن أرضه، ويحمل الحديث على تقدير صحَّته أنَّهُ أراد سِدر مكَّة، وقيل: سِدر المدينة؛ لأنَّه أُنسٌ وظلٌّ لِمن جاءهما؛ ولهذا كان عروة يقطعه مِن أرضه، لا أنَّهُ كان يقطعه مِنَ الأماكن التي يُستأنس بها، ولا يستظلُّ الغريب بها هو وبهيمته.
          (ص) وقال أنَسٌ ☺ : أمَرَ النَّبِيُّ صلعم بالنَّخْلِ فقُطِعَ.
          (ش) مطابقته للترجمة ظاهرة، ويوضِّح الحكم الذي لم يذكر فيها، وهو طرف مِن حديثٍ طويل قد ذكره في (باب نبش القبور الجاهليَّة) بين (أبواب المساجد) في (كتاب الصلاة).